للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الظن بمعنى الشك لم يورد عليه شاهدًا من الشعر لشهرته بهذا المعنى، وقناعته بأن ورود الظن بمعنى الشك أشهر وأظهر من أن يستشهد عليه بشواهد من الشعر. وفعل الطبري هذا دليل على استحضاره ومراعاته الدقيقة للسيق العام للألفاظ القرآنية، ومراعاة ذلك بدقة في الاستشهاد بالشواهد الشعرية.

- ومن الأمثلة كذلك على مراعاة المفسرين لسياق الآيات في إيراد الشواهد الشعرية قول ابن عطية وهو يشرح معنى الدِّيْنِ في اللغة وأنه يأتي لعدة معانٍ منها: الجزاء: «ومِنْ أَنْحاءِ اللفظةِ الدين: الجزاء، فمن ذلك قول الفِنْدِ الزِّمَّاني:

ولم يبقَ سِوَى العُدوانِ ... دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا (١)

أي: جازيناهم. ومنه قول كعب بن جعيل:

إذَا مَا رَمَونَا رَمينَاهُمُ ... ودِنَّاهُمُ مثلَ ما يُقْرِضُونَا (٢)

ومنه قول الآخر (٣):

واعلَمْ يَقِينًا أَنَّ مُلككَ زَائِلٌ ... واعلَمْ بِأَنَّ كمَا تَدِينُ تُدَانُ» (٤).

ثم عقَّبَ ابنُ عطية على هذه الشواهد فقال: «وهذا النحو من المعنى هو الذي يصلح لتفسير قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)} [الفاتحة: ٤] (٥) أي: يوم الجزاء على الأعمال والحساب بِهَا» (٦). وهذا مِن الاحتكامِ لِسِيَاقِ الآيات في اختيار المعنى المناسب في تفسير الآية الكريمة، وإيراد الشواهد الشعرية المناسبة للدلالة على هذا المعنى


(١) انظر: تأويل مشكل القرآن ٣٥١، شرح الحماسة للمرزوقي ١/ ٣٥.
(٢) انظر: تفسير الطبري (شاكر) ١/ ٢٥.
(٣) هو ابن نفيل يزيد بن الصعق الكلابي كما في مجاز القرآن ١/ ٢٣، الكامل ١/ ٤٢٦، وقيل لجده خويلد بن نوفل الكلابي قاله للحارث بن أبي شَمِرٍ الغساني. انظر: لسان العرب ٤/ ٤٦٠ (دين).
(٤) المُحرر الوجيز ١/ ٧٣.
(٥) الفاتحة ٤.
(٦) المحرر الوجيز ١/ ٧٣.

<<  <   >  >>