للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في كتب التفسير. ويدخل في المعرفة بلغة العرب معرفةُ شواهدِهَا من الشعر الذي اعتمد عليه العلماء في تقعيد القواعد، وشرح الغريب من القرآن والحديث. وقد ذُكِرَ أنَّ عمرو بن عبيد (١) أتى أبا عمرو بن العلاء فقال: «أفرأيت من وعده الله على عمله عقابًا يخلف وعده فيه؟ فقال أبو عمرو: أَمِنْ العُجْمَةِ أُتيتَ أَبَا عُثمان؟ إن الوعدَ غيرُ الوعيدِ ... والله عزَّ وجلَّ إذا وَعَدَ وفَّى، وإذا أوعدَ ثُمَّ لم يفعلْ كان ذلك كَرَمًا وتفضلًا، وإنَّما الخُلْفُ أنْ تَعِدَ خيرًا ثم لا تفعله، قال: وأَجِدُ هذا في كلامِ العَربِ؟ قال: نعم، أما سَمعتَ قولَ الأولِ (٢):

وَلا يَرْهَبُ ابنُ العَمِّ مَا عِشْتُ صَولَتِي ... ولا أَخْتَفِي مِنْ صَوْلَةِ المُتَهدِّدِ

وإِنِّي وإِنْ أَوعَدُتُه أُو وَعَدتُهُ ... لَمُخْلِفُ إيعَادِي، ومُنْجِزُ مَوعِدِي (٣)» (٤)

فأَرجعَ أبو عمرو بن العلاء عَدَمَ فهمِ عمرو بن عُبيدٍ إلى جَهلهِ بلغةِ العرب وعُجمتهِ، ولم يكن أبو عمرو بن العلاء يُجيبُ جوابًا إلا ويقرنه بِحُجةٍ وشَاهدٍ من الشعرِ، كما قال الأصمعي: «سألتُ أبا عمروٍ عن أَلفِ مسألةٍ، فأَجابني فيها بألفِ حُجِّةٍ» (٥). ومن ذلك قول الأصمعي: «سألت أبا عمرو عن قوله تبارك وتعالى: {فَعَزَّزْنَا} [يس: ١٤] (٦) مُثقَّلةً، فقال: شددنا، وأنشد:

أُجُدٌ إذا ضَمَرَتْ تَعَزَّزَ لَحْمُهَا ... وإذا تُشَدُّ بِنِسْعِهَا لا تَنْبِسُ (٧)» (٨).


(١) هو أبو عثمان، عمرو بن عبيد التيمي بالولاء، ولد عام ٨٠ هـ، ونشأ بالبصرة، وهو من أول من قال بقول المعتزلة مع واصل بن عطاء، مات سنة ١٤٤ هـ. انظر: وفيات الأعيان ٣/ ٤٦٠، سير أعلام النبلاء ٦/ ١٠٤.
(٢) هو عامر بن الطفيل.
(٣) انظر: ديوانه ٥٨.
(٤) إنباه الرواة ٤/ ١٣٩، إعراب القراءات السبع وعللها لابن خالويه ١/ ٥٤، طبقات النحويين واللغويين ٣٩، تاريخ بغداد ١٢/ ١٧٥.
(٥) إنباه الرواة ٤/ ١٣٣.
(٦) يس ١٤.
(٧) البيت للمتلمس الضبعي، انظر: ديوانه ١٨٠.
(٨) أخبار النحويين البصريين ٤٦.

<<  <   >  >>