للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من عُنِيَ بالشعر الذي يشتمل على شواهد اللغة، وشواهد القرآن، وشواهد النحو وغيرها، حتى قال الجاحظ: «لم أَرَ غايةَ النحويين إِلا كُلُّ شِعْرٍ فيه إعرابٌ، ولم أر غايةَ رواة الأشعارِ إِلَّا كل شعرٍ فيه غريبٌ أو معنى صعبٌ يحتاج إلى الاستخراج، ولم أر غاية رواة الأخبار إلا كل شعرٍ فيه الشاهد والمثل» (١). مما يشير إلى ظهور التخصص في حفظ الشواهد وطلبها مبكرًا، وقد حرصوا على هذه الشواهد، وتنافسوا في تدوينها، وسافروا في طلبها إلى البوادي، كل ذلك خدمةً للغة القرآن الكريم، ورغبة في تقعيد قواعدها خوفًا عليها من الاختلال.

وقد ذكر أصحاب التراجم شيئًا من أخبارهم في ذلك، فقد ذُكِرَ أنَّ أَبانَ بن تغلب (ت ١٤١ هـ) كان لغويًا قارئًا، لقي العربَ وسَمِعَ منهم، وصنَّفَ كتابَ الغريب في القرآن وذكر شواهدَه من الشِّعر (٢)، وذكر الأزهريُّ أَنَّ عليَّ بن المباركِ الأَحْمر (ت ١٩٤ هـ) كان يحفظُ ثلاثين ألفَ بيتٍ من الشعر من المعاني والشواهد (٣)، وقد أخذها عنه ورواها أبو مسحل الأعرابي، وكان العلماء يأخذونها عنه، وقد ندم ثعلب أن لم يكن أخذها عن أبي مسحل (٤).

وذكر أبو علي القالي أَنَّ محمدَ بن القاسم الأنباريِّ (ت ٣٢٨ هـ) كان يَحفظُ ثَلاثَمائة ألف بيتٍ شاهدًا في القرآن (٥)، ولم يُسمع بأحفظ منه لشواهدِ القرآنِ. وفي ترجَمة عبد الله بن عطية الدمشقي (ت ٣٨٣ هـ) أنه كان يَحفظ خَمسين ألف بيتِ شِعْرٍ في الاستشهاد على معاني القرآن (٦).

وذَكَرَ مُحمدُ بن أحمدَ الشَّنَّبوذِيُّ (ت ٣٨٨ هـ) عن نفسهِ أنه يَحفظُ


(١) البيان والتبيين ٤/ ٢٤.
(٢) انظر: معجم الأدباء ١/ ٦٧ - ٦٨.
(٣) انظر: تهذيب اللغة ١/ ١٨.
(٤) انظر: إنباه الرواة ٤/ ١٧٠.
(٥) انظر: معرفة القراء الكبار ١/ ٢٨١.
(٦) انظر: غاية النهاية ١/ ٤٣٣، طبقات المفسرين للسيوطي ٤٥، طبقات المفسرين للداوودي ١/ ٢٤٦، طبقات المفسرين للأدنه وي ٨٦.

<<  <   >  >>