للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدواوين، وكتب اللغة، حتى عاتبني شيخي - رحمه الله - يومًا من الأيام، وقال: إنك لم تُبْقِ ديوانًا من الشعر إلا قضيت حقه، أما آن لك أن تتفرغ لتفسير كتاب الله العزيز، تقرأه على هذا الرجل الذي يأتيه البعداءُ من أقاصي البلاد، وتتركه أنت على قرب ما بيننا من الجوار، يعني الأستاذ الإمام أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي - رحمه الله -. فقلتُ: يا أبتِ إنما أتدرج بهذا إلى ذلك الذي تريد، وإذا لم أُحْكِمِ الأدب بِجِدٍّ وتَعَب، لم أَرْمِ في غَرضِ التفسيرِ عَنْ كَثَب ... » (١). وقد ظهر أثر إجادة الواحدي للغة، وعنايته بدواوين الشعر في مصنفاته في التفسير، ولا سيما كتابه «البسيط» فقد أورد فيه عددًا كبيرًا من الشواهد الشعرية يستشهد بها في تفسير القرآن (٢).

ويقول مَجْدُ الدين الرُّوذْرَاوَرِيُّ (٣): «ومَنْ ظَنَّ أَنَّ القرآنَ يُفهمُ كما ينبغي من غير تحقيق كلام العرب، وتتبع أشعارهم، وتدبرها كما يجب فهو مُخطِئٌ. كان ابن عباس رضي الله عنهما حَبْرَ هذه الأمة، ومفتيها، ومفسِّرَ القرآن، وقد قال تلميذه عكرمة: أنه كان إذا سئل عن مشكل في القرآن يفسره ويستدل عليه ببيت من شعر العرب، ثم يقول: الشعر ديوان العرب» (٤).

وليس المفسرون فحسب مَن اعتمدَ على الشعر في فَهمِ القرآن الكريم، بل شاركهم في ذلك غيرهم من أهل الحديث،


(١) مقدمة تفسير البسيط للواحدي ١/ ٢٢٨ - ٢٢٩، معجم الأدباء ٣/ ٥٦٠.
(٢) انظر: الواحدي النحوي من خلال كتابه البسيط للفراج ٧٣٩.
(٣) هو مَجْدُ الدين عبدالمَجيد بن أبي الفرج الرُّوذْرَاوَرِيُّ نسبة إلى رُوذرَاوَر ناحية قرب نهاوند من بلاد فارس، المتوفى سنة ٦٦٧ هـ، كان لغويًا مفسرًا، فصيحًا، حافظًا لأشعار العرب ولا سيما الشواهد منه. انظر: تذكرة الحفاظ ١٤٧٦، شذرات الذهب ٥/ ٣٢٤.
(٤) مسألة {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: ٥٦] ضمن كتاب بحوث ودراسات في اللغة العربية وآدابها، الجزء الثالث ١٤١٣ هـ ص ١٤١.

<<  <   >  >>