للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكما ذكر عن الحسنِ كطاحونة الرحى، وجائزٌ أن يكونَ مَوجًا مَكفُوفًا، وأن يكونَ قُطبَ السماءِ؛ وذلك أَنَّ الفَلَكَ في كلامِ العربِ هو كُلُّ شيءٍ دائرٍ، فجمعه أفلاك. وقد ذكرتُ قولَ الرَّاجزِ (١):

بَاتَتْ تُنَاصِي الفَلَكَ الدَّوَّارَا (٢)

وإذا كان كلُّ ما دار في كلامها فَلَكًا، ولم يكن في كتاب اللهِ، ولا في خَبَرٍ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا عمَّنْ يقطعُ قولهُ العُذرَ، دليلٌ يدل على أَيِّ ذلكَ هو مِن أَيٍّ، كان الجوابُ أَن نقولَ فيه ما قالَ، ونسكتَ عمَّا لا علمَ لنا به» (٣).

فقد بَيَّنَ الطبري أنه عند عدم وجود التفسير من القرآن أو السنة الصحيحة، أو الصحابي الحجة أو نحوه من التابعين، فإنه يصار إلى ما في اللغة الصحيحة بشواهدها الموثوقة، ويكتفى بذلك.

ويؤكد الطبري على هذا المعنى من وجه آخر عند تفسيره لقوله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ (٢)} [الإخلاص: ٢] (٤) فيقول: «الصَّمَدُ عندَ العربِ هو السَّيدُ الذي يُصْمَدُ إليه، الذي لا أحدَ فَوقهُ، وكذلك تُسمِّي أشرافَها، ومنه قولُ الشاعر (٥):

أَلا بَكَرَ النَّاعِي بِخَيْريْ بَنِي أَسَدْ ... بِعَمروِ بنِ مَسعودٍ وبِالسَّيّدِ الصَّمَدْ (٦)

وقال الزِّبْرِقَانُ:

ولا رهينةَ إِلَّا سَيّدٌ صَمَدُ (٧)

فإن كان ذلكَ كذلك، فالذي هو أَولى بتأويل الكلمةِ، المعنى


(١) لم أعرفه.
(٢) مجاز القرآن ٢/ ٣٨.
(٣) تفسير الطبري (هجر) ١٦/ ٢٦٦ - ٢٦٧.
(٤) الإخلاص ٢.
(٥) هو سبرة بن عمر الأسدي.
(٦) مجاز القرآن ٢/ ٣١٦، سمط اللآلي ٢/ ٩٣٢، وفي سيرة ابن هشام نسبه لهند بنت معبد بن نضلة ١/ ٥٧٢.
(٧) مجاز القرآن ٢/ ٣١٦.

<<  <   >  >>