للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أورد عددًا كبيرًا من الشواهد الشعرية لغريب القرآن، وفاقت شواهد الغريب في تفسيره جميع الشواهد الشعرية فبلغت أكثر من النصف من شواهده، ولو جَمَع باحثٌ مفرداتِ غريبِ القرآن من تفسير الطبري مع شواهدها من الشعر، لخرج في كتاب لطيفٍ يُنتفع به (١).

وقد أضاف الطبري كثيرًا من شواهد غريب القرآن لم يستعملها من قبله، وجانب الغريب قد لقي عناية من المفسرين، ولذلك يقول أبو حاتم الرازي بعد أن نقل عن أبي عبيدة استدلاله بالشعر على تفسير القرآن: «يَجوزُ هذا عندي فيما كان من الغريب والإعراب، فأما ما كان من الحلال والحرام، والأمر والنهي، والناسخ والمنسوخ، فليس لبشر أن يتكلم فيه برأيه، إلا ما فسرته سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقاله الصحابة والتابعون» (٢). وهذا هو الذي يحتج العلماءُ - من المفسرين وغيرهم - عليه بشعر العرب، ولم يكن أحدٌ منهم يحتج بشعر العرب إِلَّا في لغة القرآن وتركيبه، دون حلاله وحرامه، فلا مدخل له فيها، ولذلك قال ابن فارس: «لغة العرب -ومنها الشِّعْر- يُحتجُّ بها فيما اختلف فيه، إذا كان التنازع في اسم أو صفة أو شيء مما تستعمله العرب من سننها في حقيقة ومجاز، أو ما أشبه ذلك، فأما الذي سبيله الاستنباط، أو ما فيه لدلائل العقل مجال، فإن العرب وغيرهم فيه سواء؛ لأن سائلًا لو سأل عن دلالة من دلائل التوحيد، أو حجةٍ في أصل فقهٍ أو فرعه، لم يكن الاحتجاج فيه بشيء من لغة العرب، إذ كان موضوع ذلك غير اللغات» (٣).

- ومن أمثلة اعتماد الطبري على الشعر في تفسير غريب القرآن ما جاء عند تفسيره لقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: ٥] (٤) حيث ذهب إلى


(١) حاول الدكتور عبدالرحمن عميرة ذلك فأخرج كتابه «لغة العرب من تفسير الطبري» لكن فاته الكثير من المفردات والشواهد.
(٢) الزينة ١/ ١٢٧.
(٣) الصاحبي ٤٩.
(٤) الفاتحة ٥.

<<  <   >  >>