للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن معناها: «لك اللهمَّ نَخشعُ ونَذِلُّ ونَستكينُ إقرارًا لك يا ربَّنا بالربوبيةِ لا لغيرك» (١).

وقد كان اختيارُه هذا التفسيرَ بناءً على ما روي عن العَربِ في أَشعارِها، وتسميتها الخشوعَ والذلةَ والاستكانةَ عبادةً، وتسميتها الطريق المُذلَّلَ الذي وطئتهُ الأقدامُ مُعبَّدًا، فقال في ذلك: «وإنما اخترنا البيانَ عن تأويله بأنه بِمعنى نَخشعُ ونذلُّ ونستكينُ، دون البيانِ عنه بأَنَّه بِمعنى نَرجو ونَخافُ - وإن كان الرجاءُ والخَوفُ لا يكونان إِلَّا مع ذلةٍ - لأَنَّ العبوديةَ، عند جَميع العربِ، أصلها الذلةُ، وأَنَّها تُسمِّى الطريقَ المذلل الذي قد وطئته الأقدام، وذللتهُ السابلةُ: مُعبَّدًا، ومن ذلك قولُ طَرفةَ بن العَبْدِ:

تُبَارِي عِتَاقًا نَاجياتٍ، وأَتْبَعَتْ ... وَظِيْفًا وَظِيْفًا فوقَ مَورٍ مُعَبَّدِ (٢)

يعني بالمَوْرِ: الطريقَ، وبالمُعبَّدِ: المُذلَّلَ الموطوءَ» (٣). وهذا النقل يغني عن التدليل على اعتماد الطبري على الشاهد الشعري المذكور وغيره مِمَّا لم يذكره.

- وهذا مثالٌ آخر يدلُّ على مدى اعتماد الطبري على الشاهد الشعري، وثقته به في تَمثيلهِ للغةِ العربِ أصدقَ تَمثيلٍ، حيث جاء عند تفسير قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (٥٨)} [الأنفال: ٥٨] (٤)، فذكر أقوال المفسرين في معنى قوله تعالى: {عَلَى سَوَاءٍ}، وهي ثلاثة أقوال:

الأول: بمعنى فانبذ إليهم على عَدْلٍ، حتى يعتدل علمك وعلمهم


(١) تفسير الطبري (شاكر) ١/ ١٦٠.
(٢) يصف ناقته، ومعنى تباري: تُجاريها وتسابقها، والعتاق هي الكريمة الأصل، والناجية: السريعة، والوظيف: من رُسغي البعير إلى ركبتيه في يديه، والوظيف في البيت هو خف الناقة. انظر: ديوانه ٣٥.
(٣) تفسير الطبري (شاكر) ١/ ١٦١.
(٤) الأنفال ٥٨.

<<  <   >  >>