للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قريش وحدها، ولو كان القرآن نزل بلغة قريش لما احتاج الناس إلى الشعر للاستشهاد به على فهم المشكل والغريب، وكان عليهم الرجوع إلى شعر قريش ونثرها للاستشهاد به في توضيح ما فيه من مشكل وغريب، لا إلى شعر العرب وكلامهم من غير قريش، ثم إن وجود الغريب في القرآن والمشكل وحروف خفي معناها على بعض القرشيين كأبي بكر وعمر دليل على أنه لم ينزل بلسان قريش وحدها، وقد فصل العلماء هذه المسألة (١).

رابعًا: سبق الحديث عن كلام الفارابي في الباب الأول، وقوله: «والذين عنهم نقلت اللغة العربية، وبهم اقتدي، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب هم: قيس، وتميم، وأسد؛ فإن هؤلاء هم الذين عنهم أخذ أكثر ما أخذ ومعظمه. وعليهم اتكل في الغريب، وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل، وبعض كنانة، وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم، وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط، ولا عن سكانِ البَراري مِمَّن كان يسكنُ أطرافَ بلادهم المُجاورةِ لسائر الأمم الذين حولهم» (٢).

غير أني أضيف هنا بعد هذا الحصر للقبائل والشعراء، أن الفارابي أصاب في معظم ما ذكره، حيث لم يكن حكمه فيما يبدو لي مبنيًا على استقراء دقيق، وإنما هو بطبيعته الفلسفية أراد أن يُنَظِّرَ لمثل هذا الأمر، وهو الاحتجاج، فرأى أن الأولى أن يكون أخذ اللغة عن هؤلاء دون غيرهم، ونظر في أكثر ما نقل فوجده عن قبائل تميم، وقيس، وأسد، وهذيل، وبعض الطائيين، فقال هذا القول.

ويُمكن أَن يُستدركَ عليه عدم ذكره لشعراء الأزد، ولا شعراء كنانة،


(١) انظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي ٨/ ٦٢٤ - ٦٧٠.
(٢) الحروف للفارابي ١٢٤.

<<  <   >  >>