للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى} [البقرة: ٨٣] فكأن معنى الكلام: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بأن لا تعبدوا إلا الله، وبالوالدين إحسانًا، فرفع {لَا تَعْبُدُونَ} لَمَّا حذفَ «أن»، ثم عطف: {وَبِالْوَالِدَيْنِ} على موضعها. واستشهد بقول الشاعر:

مَعَاويَ إِنَّنا بَشَرٌ فَأَسْجِحْ ... فَلَسنَا بِالجبالِ ولا الحَديدَا

فنصبَ «الحديدَ» على العطف به على موضعِ «الجبال»؛ لأنَّها لو لم تكن فيها باء خافضة كانت نصبًا، فعطف بـ «الحديدِ» على معنى «الجبالِ» لا على لفظها، فكذلك قوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}. (١) وهذا الذي ذهب إليه الطبري في توجيه الشاهد الشعري أحد قولين للنحويين، وهو قول سيبويه. (٢)

والقول الآخر أن رواية البيتِ بِجَرِّ «الحديد». قال العسكريُّ: «ومِمَّا غَلِطَ فيه النحويون من الشِّعْرِ ورووه موافقًا لما أرادوه، ما رُوِيَ عن سيبويه عندما احتج به في نسق الاسم المنصوب على المخفوض، وقد غلط على الشاعر، لأن هذه القصيدة مشهورة، وهي مخفوضة كلها. وهذا البيت أولها، وبعده:

فهبها مِدحةً ذهبتْ ضيَاعًا ... يزيدُ أَميرُها وأبو يَزيدِ

أكلتُمْ أرضنَا فَجَرَدتُمُوها ... فهلْ مِنْ قائمٍ أو مِنْ حَصيدِ». (٣)

وهذا مثال يدل على أهمية معرفة الأبيات التي منها هذا الشاهد من


(١) انظر: تفسير الطبري (شاكر) ٢/ ٢٩٠ - ٢٩١.
(٢) استشهد به في أربعة مواضع على جواز العطف على الموضع. انظر: الكتاب ١/ ٦٧، ٢/ ٢٩٢، ٣٤٤، ٣/ ٩١.
(٣) شرح ما يقع فيه التصحيف ٤٢١، خزانة الأدب ٢/ ٢٦٠ وقد نسبَ البغداديُّ للمُبرِّدِ رَدَّ رواية سيبويه، في حين قد استشهد المبرد بهذه الرواية أربع مراتٍ على جواز العطف على الموضع كما ذكر سيبويه كما في المقتضب ٢/ ٣٣٧، ٣/ ٢٨١، ٤/ ١١٢، ٣٧١، تعليق المحقق الشيخ محمد عضيمة على الشاهد ٢/ ٣٣٧.

<<  <   >  >>