للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى إذَا أَسلكُوهُمْ في قُتَائِدَةٍ ... شَلًّا كمَا تَطردُ الجمَّالةُ الشُّرُدَا

وقال: هذا كلام لم يجئ له خبر، وهذا البيت آخر قصيدة، ومثله قول الله عَزَّوَجَلَّ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} [الرعد: ٣١] قال: فجئت إلى الأصمعي فأخبرته بذلك، فقال: أخطأ ابن الحائك، إنما الخبر في قوله شلًا كأنه قال: شلوهم شلًا. قال أبو حاتم: فجعلت أكتب ما يقول، ففكر ساعة، ثم قال لي: اصبر، فإني أظنه كما قال؛ لأن أبا الجودي الراجز أنشدني:

لو قَدْ حَدَاهُنَّ أبو الجُودِيِّ ... بِرَجَزٍ مُسْحَنْفَر الرَّوِيِّ

مُستوياتٍ كَنَوي البُرْنِيِّ

فهذا كلام لم يجئ له خبر. ثم علق أبو حاتم على رجوع الأصمعي إلى الحق، واعترافه بصحة ما جاء عن أبي عبيدة قائلًا: فانظر إلى هذا الإنصاف بينهم مع شدة المنافسة، ثم لا يتهم أحدهم صاحبه بالكذب، ولا يقرفه بالتزيد، لأنهم يبعدون عن ذلك». (١)

وقال ابن عطية وهو يبين المقصود بالحروف المقطعة في أوائل السور: «وأما الذين قالوا: ذلك فواتحُ يفتتح اللهُ عزَّ وجلَّ بِها كلامَه، فإِنَّهم وجَّهوا ذلك إلى ... أَنَّهُ قال ذلكَ أدلةً على انقضاءِ سورةٍ وابتداءٍ في أخرى، وعلامةً لانقطاع ما بينهما، كما جُعلت «بل» في ابتداء قصيدةٍ دلالةً على ابتداءٍ فيها وانقضاءِ أخرى قبلها، كما ذكرنا عن العرب إذا أرادوا الابتداءَ في إنشاد قصيدةٍ قالوا: بَلْ.

ما هاجَ أحزانًا وشَجوًا قد شَجَا (٢)

و«بل» ليست من البيت ولا داخلةٌ في وَزنهِ، ولكنْ ليدلَّ بهِ على قَطعِ كلامٍ وابتداءِ آخر» (٣). فهذه إشارة إلى ما يصنعه الرواة قبل بدء


(١) مراتب النحويين ٥٠.
(٢) البيت لرؤبة بن العجاج.
(٣) المحرر الوجيز ١/.

<<  <   >  >>