للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يكون سبب الخلاف هو الخلاف في تفسير الآية، لا في معنى البيت أو حجيته، ومن ذلك قول الطبري: «وقد زعم بعضُ أهل العربية أن معنى قوله: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ} [النساء: ٩٠] (١): إلا الذين يتصلون في أنسابهم لقوم بينكم وبينهم ميثاق. من قولهم: اتَّصَلَ الرجلُ، بِمعنى: انتمَى وانتسَب. كما قال الأعشى في صفة امرأة انتسبت إلى قومٍ:

إذا اتصلَتْ قَالت: أَبَكْرَ بنَ وَائلٍ ... وبَكْرٌ سَبَتْها والأُنُوفُ رَوَاغِمُ (٢)

يريدُ بقوله: اتصلتْ انتَسَبت» (٣). ثُمَّ اعترض الطبري على هذا التفسير الذي ذهب إليه أبو عبيدة فقال: «ولا وجه لهذا التأويل في هذا الموضع؛ لأن الانتساب إلى قوم من أهل الموادعة والعهد، لو كان يوجب للمنتسبين إليهم مالهم ... لما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقاتل قريشًا وهم أنسباء السابقين الأولين، ولأهل الإيمان من الحق بإيمانهم أكثر مما لأهل العهد بعهدهم. وفي قتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشركي قريش ... الدليل الواضح أن انتساب من لا عهد له إلى ذي العهد منهم لم يكن موجبًا له من العهد ما لذي العهد منهم من انتسابه» (٤). ولَخَّص ابنُ عطية رأي الطبري واختاره (٥).

ومن أمثلة تعقب الطبري للفراء في فهمه للشواهد وشرحه لها قول الطبري: «واختلف أهل العربية في المعنى الذي جلب «الباء» في قوله: {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آل عمران: ١١٢] (٦) فقال بعض نحويي الكوفة: الذي جلب «الباء» في قوله: {بِحَبْلٍ} فعل مضمر قد ترك ذكره. قال: ومعنى الكلام: ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا، إلا أن يعتصموا


(١) النساء ٩٠.
(٢) انظر: ديوانه ٨١.
(٣) تفسير الطبري (هجر) ٧/ ٢٩٣، المحرر الوجيز ٤/ ٢٠١ - ٢٠٢.
(٤) تفسير الطبري (هجر) ٧/ ٢٩٤.
(٥) انظر: المحرر الوجيز ٤/ ٢٠٢، ٦/ ٧٦، ٨٩، ٤/ ٢٠٧، ٤/ ١٣.
(٦) آل عمران ١١٢.

<<  <   >  >>