للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بحبل من الله فأضمر ذلك، واستشهد لقوله ذلك بقول الشاعر (١):

رأَتْنِي بِحَبْلَيها فَصَدَّتْ مَخَافةً ... وفي الحَبْلِ رَوعاءُ الفُؤادِ فَروقُ (٢)

وقال: أرادَ: أَقبلَت بِحَبلَيها. وبقول الآخر (٣):

حَنَتْنِي حَانياتُ الدهرِ حتى ... كأَنِّي خَاتِلٌ أَدنُو لِصَيدِ

قريبُ الخَطْوِ يَحسبُ مَن رآني ... ولستُ مُقيَّدًا أَنِّي بِقَيدِ (٤)

يريد: مقيَّدًا، فأوجبَ إعمالَ فعلٍ مَحذوفٍ، وإظهارَ صلته وهو متروك» (٥).

ثم أخذ الطبري في رده لفهم الفراء للشواهد، وشرحه لها، فقال: «وأما ما استشهد به لقوله من الأبيات، فغير دال على صحة دعواه؛ لأن في قول الشاعر: «رأتني بِحَبليها» دلالةً بينةً في أنها رأتهُ بالحبل مُمسكًا، ففي إخباره عنها أَنّها رأتهُ بِحبليها، إخبارٌ منه أنها رأته مُمسكًا بالحبلين، فكان فيما ظهر من الكلام مستغنى عن ذكر الإمساك، وكانت الباء صلة لقوله رأتني» (٦).

وقد يكون التعقب لفهم الشاهد ودلالته على الآية، وليس لشرحه، ومن ذلك قول الطبري في رده على أبي عبيدة: «وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة أن الذي في قوله: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة: ١٧] (٧) بمعنى: الذين، كما قال جل ثناؤه: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ


(١) هو حميد بن ثور الهلالي.
(٢) انظر: ديوانه ٣٥.
(٣) هو أبو الطمحان حنظلة بن الشرقي من بين القين، شاعر مخضرم.
(٤) معاني القرآن للفراء ١/ ٢٣٠، ديوان المعاني للعسكري ٢/ ١٦١، وقد اقتصرت طبعة البابي الحلبي ٤/ ٤٩ على البيت الأول دون الثاني، وهو محل الشاهد، وهو منقول من كلام الفراء في المعاني، ولعله سهو من الناسخ، وقد أثبته محمود شاكر في طبعته، وكذا الدكتور التركي. انظر: الحاشية التالية.
(٥) تفسير الطبري (شاكر) ٧/ ١١٣ - ١١٤، (هجر) ٥/ ٦٨٤ - ٦٨٥.
(٦) المصدر السابق ٧/ ١١٤.
(٧) البقرة ١٧.

<<  <   >  >>