للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣)} [الزمر: ٣٣] (١). وكما قال الشاعر (٢):

فإِنَّ الذي حانَتْ بِفَلجٍ دماؤُهُم ... هُمُ القومُ كُلُّ القومِ يا أمَّ خالدِ (٣)

قال أبو جعفر: والقول الأول هو القول لما وصفنا من العلة، وقد أغفل قائل ذلك فرقَ ما بين (الذي) في الآيتين وفي البيت؛ لأن الذي في قوله: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} قد جاءت الدلالة على أن معناها الجمع، وهو قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}، وكذلك (الذي) في البيت، وهو قوله (دماؤهم)، وليست هذه الدلالة في قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة: ١٧] فذلك فرق ما بين الذي في قوله: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} وسائر شواهده التي استشهد بها على أن معنى (الذي) في قوله: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} بِمعنى الجماعة. وغيرُ جائزٍ لأحد نقلَ الكلمة التي هي الأغلب في استعمال العرب على معنى إلى غيره إلا بحجةٍ يجبُ التسليم لها» (٤).

وقد كانت ردود الطبري على أبي عبيدة في فهمه لمعاني القرآن بسبب عدم عناية أبي عبيدة بتفسير السلف، واعتماده فيما يفسر على اللغة والشعر، ومن ذلك قول الطبري: «وقد زعم أيضًا بعض من ضعفت معرفته بتأويل أهل التأويل، وقلَّت روايته لأقوال السلف من أهل التفسير، أنَّ الرحمنَ مَجازهُ: ذو الرَّحمةِ، والرحيمَ مَجازهُ الرَّاحمُ، ثم قال: قد يقدرون اللفظين من لفظٍ، والمعنى واحد، وذلك لاتساع الكلام عندهم. قال: وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا: نَدْمَانُ ونَدِيْمُ، ثم استشهد ببيت برج بن مسهر الطائي:

ونَدمانٍ يزيدُ الكأسَ طيبًا ... سَقَيتُ إذا تغوَّرَتِ النُّجومُ (٥)


(١) الزمر ٣٣.
(٢) هو الأشهب بن رميلة. .
(٣) انظر: شعراء أمويون ٢٣١، الحماسة البصرية ٢/ ٧٥٥، أمالي بن الشجري ٣/ ٥٧، خزانة الأدب ٢/ ٥٠٩
(٤) تفسير الطبري (شاكر) ١/ ٣٢٠ - ٣٢١، وانظر: ١/ ٤٣٢، تفسير الطبري (هجر) ٢/ ٤٧١.
(٥) انظر: ديوان الحماسة ٣٨٣، شرح الحماسة للمرزوقي ٣/ ١٢٧٢، ونُسِبَ لعمرو بن شأس الأسدي.

<<  <   >  >>