للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِمعنى: اكتسبَ رائحةً؛ إذ قائلُهُ جاهليٌّ، لا يرى في الموت راحةً» (١).

وفي هذا توظيف لمعرفته بعصر قائل الشعر ودينه في فهم الشاهد الشعري وترجيح بعض معانيه على بعض، كما إن فيه دلالة على حسن تذوقه للأدب، وبراعته في ترجيح العبارات بحسب معانيها، وهذا جزء من عمل الناقد الأدبي.

ومن الأمثلة قول ابن عطية عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (١١٩)} [طه: ١١٨، ١١٩] (٢): «وجعل الله تعالى الجوعَ في هذه الآية مع العُري، والظمأَ مع الضحاءِ، وكان عُرْفُ الكلامِ أن يكون الجوعُ مع الظمأِ المتناسب، والعريُ مع الضحاءِ؛ لأنها تتضادُ إذ العُريُ يَمسُّ بسببه البردُ، والحَرُّ يفعل ذلك بالضاحي، وهذه الطريقة مهيعٌ في كلام العرب، أَن تُفرقَ النِّسَبَ، ومنه قول امرئ القيس:

كأَنِّيَ لَمْ أَرْكَبْ جَوَادًا لِلذَّةٍ ... ولَمْ أَتَبَطَّنْ كَاعِبًا ذاتَ خَلْخَالِ

ولم أَسْبَأِ الزِّقَّ الرَّويَّ ولم أَقُلْ ... لِخَيليَ كُرِّيْ كَرَّةً بعدَ إِجْفَالِ (٣)

وقد ذهب بعض الأدباء إلى أن بيتي امرئ القيس حافظةٌ لنسبٍ، وأنَّ ركوبَ الخيل للصيدِ وغَيره من الملاذِ يُناسبُ تبطنَ الكاعب» (٤). وقد ذكر المرزباني هذا التوجيه لأبيات امرئ القيس (٥).

ومن الأمثلة كذلك لإشارات المفسرين للجوانب الأدبية في شرح الشاهد الشعري أن ابن عطية ذكر قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:

لنَا الجَفَنَاتُ الغُرُّ يلْمَعنَ بالضُّحى ... وأَسيَافُنَا يَقْطُرنَ مِنْ نَجْدةٍ دَما (٦)

واستدل به على أن الجفنات هنا أتت للتكثير لا للتقليل فقال: «فلم


(١) المحرر الوجيز ٥/ ٢٠.
(٢) طه ١١٩.
(٣) انظر: ديوانه ٣٥.
(٤) المحرر الوجيز ١١/ ١١١.
(٥) انظر: الموشح ٣٨.
(٦) انظر: ديوانه ٣٧١.

<<  <   >  >>