للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يرد إلا كثرة الجفان» ثم علق تعليقًا أدبيًا على البيت فقال: «وتأمل نقد الأعشى في هذا البيت» (١). وهو يقصد نقد النابغة الذبياني لا الأعشى، فقد رُويَ عن أبي عمرو بن العلاءِ قال: «كان النابغةُ الذبيانيّ تُضربُ له قُبَّةٌ من أَدَمٍ بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء تعرض عليه أشعارها، فأتاه الأعشى فأنشدهُ أَوَّل من أنشدَ، ثُمَّ أنشدهُ حسّانُ:

لنا الجَفَناتُ الغُرًّ يلمعن بالضُّحى ... وأسيافُنا يقطرن من نجدة دَما

ولدنا بَنِى العنقاءِ وابنَىْ محرِّقٍ ... فأكرِمْ بنا خَالًا وأكرمْ بِنَا ابنَمَا

قال النابغةُ: أنت شاعرٌ، ولكنَّك أَقلَلْتَ جِفَانَكَ وسُيوفَك، وفَخَرتَ بِمَن ولدتَ ولم تفخرْ بِمَن وَلَدك» (٢). وهذه القصة يذكرها كثير من المفسرين والنقاد على أنها من أوائل النظرات النقدية للشعر عند العرب، وقد رَدَّ هذه النقدات التي ذكرها النابغة عدد من العلماء، منهم ابنُ الأثير فقد ذكر كلامًا طويلًا في تصويب قول حسان (٣)، وأشار ابن أبي الإصبع (٤) إلى أَنَّ «النابغةَ إِنَّما عاب على حسانَ تركَ المبالغة، والقصةُ مشهورة، والصوابُ مع حسان، وإِنْ رُويَ عنهُ انقطاعهُ في يد النابغةِ». (٥) وأطال البغدادي في شرح هذا البيت، وجمع أقوال النقاد فيه بما لا مزيد عليه، وخلاصته تصويب قول حسان ورد كلام النابغة في نقده للبيت، لأن العبرة بالجمع دون كونه كثرة أو قلة، ولأنه قد ورد وزن جموع القلة في القرآن والشعر مرادًا به الكثرة، فسقط الاعتراض (٦).


(١) المحرر الوجيز ١٣/ ١٤٣.
(٢) المصون في الأدب للعسكري ٣.
(٣) انظر: المثل السائر ٢/ ٣٠٨ - ٣٠٩.
(٤) هو زكي الدين عبدالعظيم بن عبدالواحد بن ظافر المصري، (٥٨٥ - ٦٥٤ هـ)، اشتغل بالبلاغة والكتابة وبرز فيها. من كتبه تحرير التحبير، وبديع القرآن. انظر: مقدمة تحرير التحبير للمحقق ٥٠.
(٥) تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن ١٤٨.
(٦) انظر: خزانة الأدب ٨/ ١٠٦ - ١١٦.

<<  <   >  >>