للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قول من ذهب إلى أن الهبوط في الآية ليس على حقيقته، وإنما هو ضَرْبٌ من المَجاز، فقال: «وقال آخرون: يهبط من خشية الله كقوله: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: ٧٧] (١) ولا إِرادةَ له. قالوا: وإنما أريد بذلك أَنَّه مِن عِظَمِ أمر الله، يُرَى كأَنَّهُ هابطٌ خاشعٌ من ذُلِّ خشية الله، كما قال زيد الخيل:

بِجَمْعٍ تَضِلُّ البُلْقُ في حجراتهِ ... ترى الأُكْمَ منه سُجَّدًا للحَوافرِ (٢)

وكما قال سويد بن أبي كاهل يصف عدوًا له:

ساجدَ المِنْخَرِ لا يرفعهُ ... خاشعَ الطَّرْفِ أَصمَّ المُستَمَعْ (٣)

يريد أنه ذليل، وكما قال جرير بن عطية:

لَمَّا أَتَى خَبَرُ الرسولِ تَضَعْضَعَتْ ... سُورُ المدينةِ والجبالُ الخُشَّعُ (٤)» (٥).

ثم يعرض رأي بعض المفسرين الذين حَملوا الآيةَ على المَجازِ العقليِّ، فيقول: «وقال آخرون: معنى قوله: {يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: ٧٤] أي: يوجب الخشية لغيره، بدلالته على صانعه، كما قيل: : ناقة تاجرة، إذا كانت من نجابتها وفراهتها تدعو الناس إلى الرغبة فيها كما قال جرير بن عطية:

وأَعورُ مِنْ نبهانَ أَمَّا نَهَارُهُ ... فأَعمى وأَمَّا لَيلهُ فَبَصيرُ (٦)

فجعل الصفة لليل والنهار، وهو يريد بذلك صاحبه النبهاني الذي يهجوه من أجل أَنَّه فيه كانَ ما وصفه به» (٧). ثم يعقب الطبري على هذه


(١) الكهف ٧٧.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) المفضليات ٢٠١.
(٤) رواية الديوان:
لَمَّا أتى خَبَرُ الزُّبَيرِ تَواضَعَتْ ... سُورُ المدينةِ والجبالُ الخُشَّعُ
انظر: ديوانه ٢/ ٩١٣.
(٥) تفسير الطبري (شاكر) ٢/ ٢٤٢.
(٦) أي هو أعور بالنهار عن الخيرات، بصير بالليل بالسوءات. انظر: ديوانه ٢/ ٨٧٧.
(٧) تفسير الطبري (شاكر) ٢/ ٢٤٢ - ٢٤٣.

<<  <   >  >>