للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأقوال فيقول: «وهذه الأقوال وإن كانت غير بعيدات المعنى مِمَّا تَحتمله الآية من التأويل، فإِنَّ تأويل أهل التأويل من علماء السلف بِخلافها، فلم نستجز صرفَ تأويل الآية إلى معنى منها» (١).

فالطبري لا يستبعد التفسير الذي حُمِلَت عليه الآية من المَجاز، لكنه لا يرى القول به لمخالفته لقول السلف، وقد نقل شواهد الشعر التي استدل بها المفسرون وشرح بعضها شرحًا موجزًا.

٢ - ومن الأمثلة على شرح المفسرين للشواهد الشعرية شرحًا بلاغيًا ما ذكره الطبري عند تفسيره لقوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} [الرعد: ١٤] (٢) حيث أشار إلى أنَّ «العرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلًا، بالقابض على الماء، قال بعضهم (٣):

فإِنِّي وإِيَّاكُمْ وشَوقًا إليكمُ ... كَقابضِ مَاءٍ لم تسقه أَنامِلُه (٤)

يعني بذلك أنه ليس في يده من ذلك إلا كما في يد القابض على الماء؛ لأن القابض على الماء لا شيء في يده» (٥). وهذا أحد أنواع التشبيه.

٣ - ومن الأمثلة ما ذكره الطبري عند تفسيره لقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: ٤٦] (٦) حيث قال: «وهذا مثل، يقال للرجل إذا كان مقبلًا عليه ما يحبه ويسر به: الريح مقبلة عليه، يعني بذلك ما يحبه، ومن ذلك قول عَبِيْدِ بنِ الأبرص:

كمَا حَمَيناكَ يومَ النَّعْفِ مِن شَطِبٍ ... والفضلُ للقوم مِن ريحٍ ومن عددِ (٧)


(١) تفسير الطبري (شاكر) ٢/ ٢٤٣.
(٢) الرعد ١٤.
(٣) هو ضابئ بن الحارث البرجمي.
(٤) مجاز القرآن ١/ ٣٢٧، خزانة الأدب ٩/ ٣٢٣.
(٥) تفسير الطبري (شاكر) ١٦/ ٣٩٩.
(٦) الأنفال ٤٦.
(٧) النَّعْف: أسفل الجبل، شَطِبْ: جبل في ديار بني أسد، ضبطت طاؤه بالفتح والكسر. انظر: ديوانه ٥٩.

<<  <   >  >>