للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعني من البأس والكثرة» (١).

وقد ذهب المفسرون في تفسير هذه الآية مذهب الطبري مع الاختلاف في التعبير، فقال الزمخشري: «الريح: الدولة، شبهت في نفوذ أمرها وتمشيه بالريح وهبوبها» (٢). وقال ابن عطية: «والجمهور على أن الريح هنا مستعارة، والمراد بها النصر والقوة» (٣).

وهذا يعود إلى عدم استقرار مصطلحات البلاغة على عهد الطبري فسمى الاستعارة مَثَلًا، بخلافها عند المتأخرين.

ومن ذلك قول الطبري عند تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} [النساء: ٩٠] (٤): «والسَّلَمُ هو الاستسلام، وإنما هذا مَثَلٌ، كما يقول الرجلُ للرجلِ: أعطيتُكَ قِيادي، وألقيتُ إليك خِطَامي، إذا استسلم له وانقاد لأمره، وكذلك قوله: {وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} إنما هو ألقوا إليكم قيادهم واستسلموا لكم صلحًا منهم لكم وسلمًا، ومن السَّلَمِ قولُ الطرمَّاحِ:

وذاكَ أَنَّ تَميمًا غَادَرَتْ سَلَمًا ... للأُسْدِ كُلَّ حَصَانٍ وعثةِ اللَّبدِ (٥)

يعني بقوله: سَلَمًا، استسلامًا» (٦).

٤ - ومن أمثلة ذلك قول الطبري: «وأما معنى التأويل في كلام العرب فإنه التفسيرُ والمرجعُ والمصيرُ. وقد أنشد بعض الرواة بيت الأعشى:

عَلى أَنَّها كَانتْ تَأَوُّلُ حُبِّها ... تأَوُّلَ رِبْعيِّ السِّقَابِ فَأَصحَبَا (٧)


(١) تفسير الطبري (شاكر) ١٣/ ٥٧٥ - ٥٧٦.
(٢) الكشاف ٢/ ١٦٢.
(٣) المحرر الوجيز ٨/ ٨٣.
(٤) النساء ٩٠.
(٥) رواية الديوان: للأَزْدِ كُلَّ كَعابٍ وعثةِ اللِّبَدِ، والكعاب: الفتاة التي كعب ثديها، ووعثة اللبد: لينة كثيرة اللحم، واللبد: جمع لِبْدة وهي باطن الفخذ. انظر: ديوانه ١٢٣ ولم أر محقق الديوان قد التفت إلى رواية الطبري لمثل هذا البيت، حيث كان الطبري من المتفردين بحفظ شعر الطرماح وشرحه.
(٦) تفسير الطبري (شاكر) ٩/ ٢٣ - ٢٤.
(٧) قال أبو عبيدة: أي تَفْسِيرُ حُبها أنه كان صغيرًا في قَلْبِه، فلم يَزَلْ يَثْبُتُ حتّى صار كبيرًا، كهذا السَّقْبِ الصَّغيرِ - وهو ولد الناقة، لم يَزَلْ يَشِبُّ حتى صار كبيرًا مثلَ أُمِّه، وصار له وَلَدٌ يَصْحَبُهُ. انظر: ديوانه ١٦٣، مجاز القرآن ١/ ٨٧، الصاحبي ٣١٥، تهذيب اللغة ١٥/ ٤٦٠.

<<  <   >  >>