للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يبعده عن الاستشهاد في المسألة التي أورد شاهدًا لها، وقد رد المفسرون شواهد متعددة، ووصفوها بأنها ليست حجة على المراد؛ لإمكان تأويلها تأويلًا يسقط الاحتجاج بها على هذا الوجه أو ذاك. ومن أكثر المفسرين الذين ردوا الشواهد بهذه الحجة ابن عطية في تفسيره.

ومن أمثلة ذلك قول ابن عطية وهو يشرح معاني الدين في اللغة: «ومن أنحاء اللفظة الدين: الداء، عن اللحياني، وأنشد:

ما دِينُ قلبكَ مِن سَلمى وقَدْ دِينا (١)

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: أما هذا الشاهد فقد يتأول على غير هذا النحو، فلم يبق إلا قول اللحياني». (٢)

ومن الأمثلة قوله أيضًا عند تفسير معنى الإثم في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: ٣٣] (٣): «والإثم أيضًا لفظٌ عامٌ لجميع الأفعال والأقوال التي يتعلق بمرتكبها إثم، هذا قول الجمهور. وقال بعضُ الناسِ: هي الخَمْرُ، واحتجَّ على ذلك بقول الشاعر:

شَرِبْتُ الإِثْمَ حتى طارَ عقلي (٤)

قال القاضي أبو مُحمدٍ رَحِمَه الله: وهذا قولٌ مردودٌ؛ لأن هذه السورة - أي الأعراف - مكية، ولم تُعْنَ الشريعة بتحريم الخمر إلا بالمدينة بعد أُحُدٍ؛ لأن جماعةً من الصحابة اصطحبوها يوم أُحُدٍ وماتوا شهداء، وهي في أجوافهم. وأيضًا فبيت الشعر يقالُ: إِنَّهُ مصنوعٌ


(١) لم أعثر عليه.
(٢) المحرر الوجيز ١/ ٧٤ - ٧٥.
(٣) الأعراف ٣٣.
(٤) صدر بيت مجهول، وعجزه: «كذاك الإثمُ تذهبُ بالعقولِ».
وهو بلا نسبة في تهذيب اللغة ١٥/ ١٦١، ولسان العرب ١/ ٧٥، نهاية الأرب للنويري ٤/ ١١٣.

<<  <   >  >>