للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غَنِيَتْ دارُنا تِهامَةَ في الدَّهْـ ... ـرِ وفيها بَنُو مَعَدٍّ حُلُولا (١)

ويُشبهُ أن تكونَ اللفظةُ من الاستغناءِ. وأَمَّا قولهُ: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} [يونس: ٢٤] (٢) ففيه هذا المعنى؛ لأَنَّ المراد: كأَنْ لَم تكن ناعمةً نضرةً مستقلةً، ولا توجدُ - فيما علمتُ - إلا مقترنةً بهذا المعنى، وأما قول الشاعر (٣):

غَنِينا زَمانًا بالتصعلكِ والغِنَى ... وكُلًا سَقانَاهُ بِكأسيهِما الدَّهرُ (٤)

فمعناهُ: استغنينا بذلكَ، ورضيناه، مع أَنَّ هذه اللفظة ليست مقترنةً بمكانٍ». (٥)

فقد تتبع ابنُ عطية معنى هذه اللفظة الدقيقَ في أشعار العرب، واستخرج المعنى الدقيق الملازم للفظة، وأنه لا يقال: «غَنِيَ بالمكان» إلا في الإقامة المُقترنة بتنعُّمٍ وعيشٍ مُرْضٍ، وأَنَّ العرب لا تقول لمن أقام بعيشٍ مُضْنٍ أنه غَنِيَ بالمكان. وهذا التتبع لمعنى هذه اللفظة لم أجده في معاجم اللغة، كما وجدته هنا، مما يدل على جهد المفسرين في بيان عدد من الألفاظ اللغوية، بيانًا معجميًا أغنوا به المادة المعجمية العربية. (٦)

وهذا يعطي اللفظة في القرآن معنى إضافيًا فوق مجرد الإقامة، وهو أن هؤلاء الأقوام الذين كذبوا الرسل جاءهم العذاب الذي استأصلهم من أرضهم التي كانوا يتنعمون فيها، ويتقلبونَ في نعيمِها فكان هذا أبلغ في عذابهم، ولم يبق من الحياة الناعمة، والعيش الرغد أثر، ولم يُغْنِ عنهم من الله شيئًا.


(١) انظر: ديوانه ٦٥.
(٢) يونس ٢٤.
(٣) هو حاتم الطائي.
(٤) انظر: ديوانه ٤٨.
(٥) المحرر الوجيز (قطر) ٦/ ١٠ - ١٢.
(٦) انظر: تهذيب اللغة ٨/ ٢٠١، الصحاح ٦/ ٢٤٤٩، مقاييس اللغة ٤/ ٣٩٧، لسان العرب ١٠/ ١٣٤ - ١٣٨.

<<  <   >  >>