للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: ٣٦] (١) ذهب الطبري إلى أَنَّ الضمير في قوله: {فِيهِنَّ} يعود على الأشهر الأربعة، فيكون معنى الآية: فلا تظلموا في الأشهر الأربعة أنفسكم باستحلال حرامها. واستدل على صحة تفسيره هذا بأَنَّ الله قال: {فِيهِنَّ} وهذا الضمير يدل على جَمعِ القِلَّةِ ما بين الثلاثة إلى العشرة، ولو كان المقصود فلا تظلموا في الاثني عشر شهرًا أنفسكم، لقالَ: فلا تظلموا فيها أنفسكم. (٢)

غير أن الطبري ذكر أن الوجه الذي ردَّه جاء في لغة العرب على قلةٍ، فقال: «فإن قال قائل: فما أنكرت أن يكون ذلك كنايةً عن الاثني عشر، وإن كان الذي ذكرتَ هو المعروفُ في كلام العرب؟ فقد علمتَ أَنَّ من المعروف من كلامها إخراجُ كناية ما بين الثلاث إلى العشر بالهاء دون النون، وقد قال الشاعر (٣):

أَصْبَحْنَ في قُرْحٍ وفي داراتِها ... سَبْعَ ليالٍ غَيْرَ مَعْلُوفاتِها (٤)

ولم يقل: مَعْلوفاتهنَّ، وذلك كناية عن السَّبْعِ؟

قيل: إِنَّ ذلك وإِنْ كان جائزًا، فليس الأَفْصحَ الأعرفَ في كلامها، وتوجيهُ كلامِ الله إلى الأفصحِ الأَعرفِ، أولى من توجيههِ إلى الأَنكرِ». (٥)

فقد أورد الطبري الشاهد للوجه المرجوح الذي ورد على قلةٍ في


(١) التوبة ٣٦.
(٢) انظر: تفسير الطبري (شاكر) ١٤/ ٢٤٠، معاني القرآن للفراء ١/ ٤٣٥.
(٣) نسبه الفراء لأبي القمقام الفقعسي كما في معاني القرآن ١/ ٤٣٥، وقد يكون لعمر بن لجأ التيمي من أبيات له في الأصمعيات ٣٤، وجزم بنسبته له محمود شاكر في تحقيقه لتفسير الطبري ١٤/ ٢٤١.
(٤) قُرْح: سوق وادي القرى. انظر: معجم البلدان ٤/ ٥٣، شرح الحماسة للمرزوقي ٤/ ١٨٢٢.
(٥) تفسير الطبري (شاكر) ١٤/ ٢٤٠ - ٢٤١.

<<  <   >  >>