للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: ٧٤]} (١): «أي: ليس يَنْقِمون شيئًا، ولا يعرفون من الله إلا الصُنْعَ الجميلَ، وهذا كقول الشاعر (٢):

ما نَقِمَ الناسُ مِنْ أُميَّةَ ... إِلَّا أَنَّهمْ يَحْلُمُونَ إِنْ غَضِبوا

وأَنَّهمْ سادةُ المُلوكِ فلا ... تصلحُ إِلَّا عليهمُ العَرَبُ (٣)

وهذا ليس مِمّا يُنْقَمُ، وإِنَّما أراد أَنَّ الناس لا يَنقمون عليهم شيئًا. وكقول النابغة:

ولا عَيْبَ فيهمْ غَيْرَ أَنَّ سُيوفَهُم ... بِهِنَّ فُلولٌ مِنْ قِراعِ الكتائبِ (٤)

أي: ليس فيهم عيبٌ». (٥) وابن قتيبة يشير إلى أسلوبٍ بلاغي عرف فيما بعد بأسلوب «المدح بما يشبه الذم»، وله أمثلة كثيرة في الشعر العربي. (٦)

ويوجد في كتب غريب القرآن أيضًا حديث عن المسائل النحوية في مواضع منها، غير أنها ليست كثيرة كما هو الحال في كتب معاني القرآن. ومِنْ أمثلة المسائل النحوية التي تعرضت لها كتب غريب القرآن قول أبي عبيدة: «{وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة: ١٧] (٧) ثم انقطع النصبُ، وجاء الاستئنافُ {صُمٌّ بُكْمٌ} [البقرة: ١٨] (٨) قال النابغةُ:

تَوَهَّمْتُ آياتٍ لَها فَعَرَفْتُها ... لِستَّةِ أعوامٍ وذا العامُ سَابِعُ (٩)

ثم استأنفَ فَرَفَعَ فقال:

رمادٌ ككُحْلِ العينِ لأيًا أُبِينُهُ ... ونُؤْيٌ كَجِذْمِ الحوضِ أَثْلَمُ خاشِعُ». (١٠)

وأبو عبيدة قد حَمَلَ الرفعَ في قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ} على الاستئناف، وتُعْرَبُ خَبَرًا لمبتدأٍ محذوفٍ، تقديره: هم صُمٌّ بُكْمٌ عميٌ.


(١) التوبة ٧٤.
(٢) هو عبد الله بن قيس الرُّقيَّات.
(٣) انظر: ديوانه ٤.
(٤) انظر: ديوانه ٥٤.
(٥) غريب القرآن ١٩٠.
(٦) انظر: نضرة الإغريض للعلوي ١٢٨، معجم المصطلحات البلاغية ٦١١.
(٧) البقرة ١٧.
(٨) البقرة ١٨.
(٩) انظر: ديوانه ٣٠.
(١٠) مجاز القرآن ١/ ٣٢ - ٣٣.

<<  <   >  >>