للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التعقبات لبعضهم على بعض، في فهم وشرح بعض الشواهد الشعرية. وقد كان لابن قتيبة النصيب الأكبر من ذلك حيث تعقب أبا عبيدة في استشهاده ببعض الشواهد الشعرية، فخالفه في وجه الاستشهاد في بعضها، وخالفه في شرح بعضها. وسبقت الإشارة في الفصل السابق إلى تعقبات المفسرين وخاصةً الطبري وابن عطية لأبي عبيدة أيضًا.

ومن أمثلة ذلك عند ابن قتيبة قوله عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} [القصص: ٢٠] (١): «قال أبو عبيدة (٢): يتشاورون فيك ليقتلوك، واحتج بقول الشاعر (٣):

أَحارِ بنِ عَمروٍ كأَنِّي خَمِرْ ... ويَعْدُو على المَرْءِ ما يَأْتِمِرْ (٤)

وهذا غَلَطٌ بَيّنٌ لِمَن تدبّر، ومضادةٌ للمعنى. كيف يعدو على المرء ما شاور فيه، والمُشاورةُ بَرَكَةٌ وخَيْرٌ؟ وإنما أراد: يعدو عليهِ ما هَمَّ به للناس من الشرِّ. ومثله قولهم: مَنْ حَفَرَ حُفرةً وَقَعَ فيها. وقوله: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ} أي: يَهُمُّونَ بك. يدلك على ذلك قول النمر بن تولب:

اعْلَمَنْ أَنْ كُلّ مُؤْتَمِرٍ ... مُخطئٌ في الرأي أَحيانا

فإِذا [ما] لَمْ يُصِبْ رَشَدًا ... كان بعضُ اللَّومِ ثُنْيانا (٥).

يعني أَنَّ كُلَّ مَنْ ركبَ هواه، وفَعَلَ ما فَعَلَ بغير مُشاورةٍ، فلا بُدَّ من أن يُخطئَ أحيانًا، فإذا لم يُصِب رَشَدًا لامَهُ الناسُ مرتين: مرةً لركوبهِ الأمرَ بغير مشاورة، ومرةً لِغَلَطِهِ. ومِمَّا يدلك على ذلك أيضًا قوله عَزَّوَجَلَّ: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٦] (٦) لم يُرِد: تشاوروا، وإنَّما أراد: هُمُّوا بهِ، واعتزموا عليه. وقالوا في تفسيره: هو أَنْ لا تضرَّ المرأةُ بزوجها، ولا الزوجُ بالمرأة. ولو أراد المعنى الذي ذهب إليه أبو عبيدة، لكان


(١) القصص ٢٠.
(٢) انظر: مجاز القرآن ٢/ ١٠٠.
(٣) هو ربيعة بن جُشَم النَّمَريُّ.
(٤) انظر: ديوانه ٢٤٣.
(٥) انظر: ديوانه ١٣٥ - ١٣٦.
(٦) الطلاق ٦.

<<  <   >  >>