للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعلم أحدًا قال: رَدَّ يَدَهُ في فيه إذا أمسك عن الشيء، والمعنى: ردوا أيديهم في أفواههم، أي: عَضُّوا عليها حنقًا وغيظًا. كما قال الشاعر: (١)

يَرُدُّون في فِيهِ عَشْرَ الحَسُودِ (٢)

يعني: أنهم يغيظون الحسود حتى يعض على أصابعه العشر، ونحوه قول الهذلي:

قَد افنَى أَنامِلَهُ أَزْمُهُ ... فأَضْحى يَعَضُّ عليَّ الوظِيفا

يقول: قد أَكَلَ أصابِعَه حتى أَفناها بالعضِّ، فأضحى يَعَضُّ عليَّ وظيفَ الذِّراعِ. وهكذا فَسَّر هذا الحرفَ ابنُ مسعودٍ، واعتباره قولَهُ عزَّ وجلَّ في موضعٍ آخر: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} [آل عمران: ١١٩] (٣)». (٤) فابن قتيبة قد استشهد بالشعر لإثبات صواب ما ذهب إليه، وخطأ ما ذهب إليه أبو عبيدة في تفسيره لهذه الآية، مع إن أبا عبيدة قد فسر الآية تفسيرًا إجماليًا وهو تفسير قال به قتادة، حيث فسرها بقوله: «قومهم كذبوا رسلهم، وردوا عليهم ما جاءوا به من البينات، وردوا عليهم بأفواههم». (٥) وقد رد تفسير أبي عبيدة الإمام الطبري أيضًا، وذهب إلى أنه قول لا وجه له، ورجح القول الذي ذهب إليه ابن قتيبة، وهو تفسير عبد الله بن مسعود فقال: «وأشبه الأقوال عندي بالصواب في تأويل هذه الآية، القول الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود، أنهم ردوا أيديهم في أفواههم، فعضوا عليها غيظًا على الرسل، كما وصف الله عَزَّوَجَلَّ به إخوانهم من المنافقين، فقال: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}، فهذا هو الكلام المعروف، والمعنى المفهوم مِنْ رَدِّ اليدِ إلى الفم». (٦)


(١) لم أعثر عليه.
(٢) لم أقف عليه عند غير ابن قتيبة، ولم يورد غير هذا الشطر هنا، وفي كتابه المعاني الكبير ٨٣٤.
(٣) آل عمران ١١٩.
(٤) غريب القرآن ٢٣٠ - ٢٣١.
(٥) انظر: تفسير الطبري (هجر) ١٣/ ٦٠٨.
(٦) المصدر السابق ١٣/ ٦٠٩.

<<  <   >  >>