للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والغالب على شرح الشواهد الشعرية في كتب غريب القرآن ومعانيه الاختصار والإيجاز، ولا يطيلون الشرح إلا للأبيات التي تكون موضع خلاف.

ومن ذلك قول ابن قتيبة عند تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} [الزخرف: ١٥] (١): «أي نصيبًا. ويقال: شِبْهًا ومِثْلًا؛ إذ عبدوا الملائكةَ والجنَّ. وقال أبو إسحاق [الزجاجُ] (٢): إِنَّ معنى جُزءًا ههنا: بناتٌ. يُقال: لهُ جُزءٌ مِن عيالٍ، أَي: بنات. قال: وأنشدني بعضُ أهل اللغة بيتًا يدل على أَنَّ معنى (جُزء) معنى إِناث، قال: ولا أدري البيتُ قديمٌ أم مصنوع؟ :

إِنْ أَجْزَأَتْ حُرَّةٌ يومًا فلا عَجَبٌ ... قَدْ تُجْزئُ الحُرَّةُ المِذْكارُ أَحيانا

فمعنى: إن أجزأت، أي: آنثت، أي أتت بأنثى. وقال المفضل بن سلمة: حكى لي بعضُ أهلِ اللغةِ: أَجزأَ الرجلُ، إذا كان يُولَدُ لَه بناتٌ. وأجزأت المرأةُ: إذا ولدت البناتِ. وأنشد المفضَّلُ:

زُوِّجتُها مِنْ بناتِ الأَوْسِ مُجْزِئَةً ... لِلعَوسَجِ اللَّدْنِ في أَبياتِها زَجَلُ». (٣)

وقد كان أبو عبيدة في شرحه للغريب يعتمد كثيرًا في الاستدلال على الشعر، ولذلك كان ابن قتيبة يسلك المسلك نفسه في تعقب أبي عبيدة، فيصيب أحيانًا ويخالفه الصواب أحيانًا أخرى. ومن ذلك أن أبا عبيدة عند تفسير قوله تعالى: {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} [إبراهيم: ٩] (٤) قال في تفسير قوله: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}: مَجازهُ مَجازُ المَثَلِ، وموضعه موضع: كفوا عما أمروا بقوله من الحق، ولم يؤمنوا به ولم يسلموا، ويقال: رَدَّ يدَهُ في فَمِهِ، أي: أمسك إذا لم يُجِب». (٥) فقال ابن قتيبة متعقبًا له: «ولا


(١) الزخرف ١٥.
(٢) انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤/ ٤٠٦ - ٤٠٧ والزجاج متوفى ٣١١ هـ.
(٣) غريب القرآن ٣٩٦.
(٤) إبراهيم ٩.
(٥) مجاز القرآن ١/ ٣٣٦.

<<  <   >  >>