للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان يقول: هو عند العربِ شجرٌ عظامٌ، كثيرُ الشوكِ، وأنشد لبعض الحُداةِ:

بشَّرَها دليلُها وقالا ... غدًا ترينَ الطَّلحَ والحبالا

وأَمَّا أهلُ التأويل من الصحابة والتابعين فإنهم يقولون: إنه الموز». (١) وكان في تفسير علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم له بالموز ما يكفي للقول بأنه قول العرب، والتفسير الصحيح للفظة، غير أن أبا عبيدة واللغويين لم يلتفتوا كثيرًا لتفسير السلف لألفاظ القرآن، فوقعوا في مثل هذا. (٢)

في حين كان الفراءُ مع كثرة سَماعه من العرب، وسعةِ محفوظهِ ينظرُ للشعرِ على أنَّه أقلُّ مرتبةً في الاستشهاد من القرآن الكريم، فإذا وجدَ الشاهدَ من القرآنِ قدَّمَهُ. ومن ذلك قوله عند قوله تعالى: {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢)} [الواقعة: ٢٠ - ٢٢] (٣) مبينًا القراءة في الآية الأخيرة: «فخفض بعضُ القراء، ورفع بعضهمُ الحُورَ العِيْنَ. قال الذين رفعوا: الحورُ العينُ لا يُطافُ بِهنَّ، فرفعوا على معنى قولهم: وعندهم حورٌ عينٌ، أو مع ذلك حُورٌ عينٌ، فقيل: الفاكهةُ واللحمُ لا يُطافُ بِهما إنما يُطافُ بالخَمر وحدَها والله أعلم، ثم أُتبِعَ آخرُ الكلامِ أَوَّلَه، وهو كثير في كلام العرب وأشعارهم، وأنشدني بعضُ بني أسدٍ يَصِفُ فَرَسَهُ:

عَلَفْتُها تِبْنًا وماءً باردا ... حتى شَتَتْ هَمَّالةً عيناها (٤)

والكتابُ أَعرَبُ وأقوى في الحُجةِ من الشعر». (٥) وقال في موضع آخر: «ورُبَّما تركت العربُ جوابَ الشيء المعروفِ معناهُ، وإن تُرِكَ


(١) تفسير الطبري (هجر) ٢٢/ ٣١٠ - ٣١٢، المحرر الوجيز (قطر) ١٤/ ٢٤٥، الجامع لأحكام القرآن ١٧/ ٢٠٨.
(٢) انظر: غريب الحديث للحربي ٢/ ٦٣١، التفسير اللغوي للقرآن الكريم ٥٧٢.
(٣) الواقعة ٢٠ - ٢٢.
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) معاني القرآن ١/ ١٤.

<<  <   >  >>