للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجوابُ، قال الشاعر (١):

فأُقسِمُ لو شيءٌ أتانا رسُولُهُ ... سِواك ولكنْ لَمْ نَجد لكَ مَدْفَعا (٢)

وقال اللهُ تبارك وتعالى وهو أصدقُ مِنْ قولِ الشاعر: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ} [الرعد: ٣١] (٣) فلم يُؤتَ لَهُ بِجوابٍ، والله أعلمُ». (٤)

وفي هذا دلالة على اهتمام الفراء بشواهد القرآن اللغوية، واعتداده بها، ولعلَّ هذا كان سببًا في قلة الشواهد الشعرية عند الفراء موازنةً بالشواهدِ من القرآن الكريم، فقد بلغت شواهد القرآن في كتابه أكثر من ألف وخمسمائة وأربعة وستين شاهدًا من القرآن الكريم وهو عدد كبير، إذا وازنته بموقف النحويين في عصره من الشاهد القرآني (٥)، في حين بلغت شواهد الشعر (٧٨٥) شاهدًا، والأمثلة على ذلك كثيرة في كتابه، وكأنه يرد بسلوكه هذا المنهج على من جعل الشعر هو الحجة والدليل، ولم يلتفت إلى شواهد القرآن ويتخذها أصلًا لبناء قواعده، وأحكامه في اللغة، كما فعل سيبويه في كتابه، وأبو عبيدة في مجاز القرآن.

وقد سار على هذا المنهج ابن الأنباري مع كثرة حفظه لشواهد الشعر، فقال وهو يحتج لقول الفراء: إن الفردوس هي البستان بالعربية أيضًا (٦): «والدليل على صحة قول الفراء أنَّ العربَ قد ذكرت الفردوس في أشعارها، قال حسان في التأنيث:

وإِنَّ ثوابَ اللهِ كُلَّ مُوحِّدٍ ... جِنانٌ من الفِرْدَوسِ فيها يُخَلَّدُ (٧)


(١) هو امرؤ القيس بن حجر.
(٢) انظر: ديوانه ٢٤٢.
(٣) الرعد ٣١.
(٤) معاني القرآن ٢/ ٧، ٨٢، ٨٧، ٣/ ٩٤.
(٥) بلغت شواهد القرآن عند سيبويه دون المكرر أربعمائة وخمسين شاهدًا، وشواهد المقتضب للمبرد من القرآن تجاوزت خمسمائة آية. انظر: منهج سيبويه في الاستشهاد بالقرآن للدكتور سليمان خاطر ٢٠، مقدمة تحقيق المقتضب ١/ ٩٥.
(٦) انظر: معاني القرآن ٢/ ٢٣١.
(٧) انظر: ديوانه ١٢٦.

<<  <   >  >>