للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا وجه من وجوه تفسيرها، وقد فسَّرها مُجاهدُ بالاكتئاب، وفسرها السديُّ، وابن زيد بالهلاك. (١) وقول الفراء قريب من قول مجاهد لأن الاكتئاب أثر من انقطاع الحجة والسكوت، غير أن الطبري فصل القول في معناها بعد ذكره لتفاسير السلف فقال: «وأَصلُ الإِبلاسِ في كلام العربِ عند بعضهم الحُزْنُ على الشيءِ، والنَّدمُ عليه. (٢) وعند بعضهم انقطاعُ الحُجَّةِ، والسكوتُ عند انقطاع الحجةِ. وعند بعضهم الخُشوعُ، وقالوا: هو المخذولُ المتروكُ، ومنه قولُ العجَّاج ... ». ثم ذكر الشاهد، وفسَّره بقوله: «فتأويل قولهِ: وأَبْلَسَا، عند الذين زعموا أَنَّ الإبلاسَ انقطاعُ الحجةِ والسكوتُ عنده، بِمعنى أَنه لم يُحِر جَوابًا. (٣) وتأوله آخرون بِمعنى الخُشوعِ، وتركِ أهلهِ إياهُ مقيمًا بمكانهِ. والآخرون: بِمعنى الحزنِ والنَّدمِ. يقال منه: أَبْلَس الرجلُ إبلاسًا، ومنه قيل لإبليس: إبليس». (٤)

وذكر ابن فارس أن أصل دلالة الإبلاس على اليأس، وأن ما عداه من المعاني يعود إليه. (٥) فتكون بقية المعاني عائدةً لمعنى اليأس. فالخشوع، وانقطاع الحجة، والسكوت، والحُزنُ والاكتئاب تعودُ كلُّها لليأسِ. ولم يذكر الأزهري من معانيه إلا السكوت عند انقطاع الحجة، والقنوط. (٦) وقد زاد أبو عبيدة في تفسيره لهذه اللفظة شاهدًا آخر وفسَّره تفسيرًا موافقًا لقول مُجاهد وهو بيت رؤبة:

وحَضَرَتْ يومَ خَميسِ الأَخْماسْ ... وفي الوجوهِ صُفرةٌ وإِبْلاسْ (٧)


(١) انظر: تفسير الطبري (هجر) ٩/ ٢٤٧ - ٢٤٩.
(٢) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن ١/ ١٩٢.
(٣) هذا قول الفراء كما تقدم، وقول الأصمعي كما في شرح ديوان العجاج ١٥٦.
(٤) تفسير الطبري (هجر) ٩/ ٢٤٩.
(٥) انظر: مقاييس اللغة ١/ ٢٩٩ - ٣٠٠.
(٦) انظر: تهذيب اللغة ١٢/ ٤٤٢، لسان العرب ١/ ٤٨٢ (بلس).
(٧) انظر: ديوانه ٦٧.

<<  <   >  >>