للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاستدل بشاهد شعري على صحة رواية شاهدٍ آخر، ومثل هذا المثال ليس بالكثير في كتب المعاني.

ومثله قول أبي عبيدة عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١)} [الأعراف: ٢٠١] (١) حيث فسر الطائف بأَنَّهُ اللَّمَمُ، واستشهد بقول الأعشى:

وتُصْبِحُ عَنْ غِبِّ السُّرَى وكأَنَّما ... أَلَمَّ بِها مِنْ طائفِ الجِنِّ أَولَقُ (٢)

ثم بين أن اسم الفاعل طائف مأخوذ من الفعل طاف يطيف، لا من طاف يطوف، فقال: «وهو من طفت أطيف طيفًا، قال (٣):

أَنَّى أَلَمَّ بكَ الخيالُ يَطِيفُ ... ومَطافُهُ لكَ ذِكْرَةٌ وشُغُوفُ (٤)». (٥)

فقد استشهد أبو عبيدة بشاهد شعري آخر ليبين أصل اشتقاق كلمة في شاهد شعري آخر، وهذا غرض من أغراض إيراد الشواهد الشعرية لإيضاح بعضها.

- كثرة إيراد الشاهد الشعري:

من المواطن التي يكثر فيها أهل المعاني والغريب الاستشهاد بالشعر:

١ - مواطن الخلاف أو المناظرة العلمية، أو الردود. ومن ذلك قول الأخفش: «وقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧)} [فصلت: ٣٧] (٦) لأَنَّ الجماعةَ منْ غَيْرِ الإنس مؤنثةٌ، وقال بعضهم: للذي خلق الآيات، ولا أراه قال ذلك إلا لجهله بالعربية. قال الشاعر (٧):

إِذْ أَشْرَفَ الدِّيكُ يَدْعو بعضَ أُسْرَتِهِ ... إلى الصِّياحِ وهُمْ قومٌ مَعازِيلُ (٨)


(١) الأعراف ٢٠١.
(٢) انظر: ديوانه ٢٧١.
(٣) هو كعب بن زهير رضي الله عنه.
(٤) انظر: ديوانه ١١٣.
(٥) مجاز القرآن ١/ ٢٣٦ - ٢٣٧.
(٦) فصلت ٣٧.
(٧) هو عبدة بن الطبيب.
(٨) انظر: المفضليات ١٤٣.

<<  <   >  >>