للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وللعلماء في بيان نوع الاستثناء في هذه الآية ثلاثة أقوال:

الأول: أنه استثناء متصلٌ، وهذا اختيار الطبري (١)، وبدأ به ابن عطية، ولم يذكر الزمخشري غيره. قال الزمخشري: «ومعناه: لئلا يكون حجةٌ لأَحدٍ من اليهود إلا للمُعاندين منهم، القائلين: ما ترك قِبْلتَنا إلى الكعبة إِلاّ مَيلًا لِدِين قومه، وحُبًّا لهم. وأطلقَ على قولهِم (حُجَّةً)؛ لأَنَّهم ساقوه مَساقَ الحُجَّةِ». (٢) وقال ابن عطية: «المعنى أنه لا حُجَّةَ لأَحدٍ عليكم إِلاّ الحجةُ الداحضةُ للذين ظلموا من اليهودِ وغَيرِهم الذين تكلموا في النازلة، وسَمّاها حُجَّةً، وحَكَمَ بفسادها حين كانت مِنْ ظالمٍ». (٣)

الثاني: أنه استثناءٌ منقطعٌ، فيُقدَّرُ بـ (لكنْ) عند البصريين، وبـ (بل) عند الكوفيين؛ لأَنه استثناءٌ مِن غَير جِنْسِ المستثنى منهُ. والتقديرُ: لكنْ الذين ظَلَموا فإِنَّهم يتعلَّقونَ عليكمْ بالشُّبْهَةِ يَضعونَها مَوضعَ الحُجَّةِ.

وسببُ الخلاف في هذه الآيةِ هو كما قال السمين الحلبي: «هَل الحجةُ هو الدليل الصحيحُ، أو الاحتجاجُ صحيحًا كان أو فاسدًا؟ فعلى الأول يكون مُنقطعًا، وعلى الثاني يكونُ مُتَّصِلًا». (٤)

الثالث: أَنَّ (إِلاّ) بمعنى الواو العاطفة. وهذا القول قد انفرد به أبو عبيدة في مجاز القرآن (٥)، وهو من أمثلة المسائل التي استشهد عليها أبو عبيدة بشاهدٍ نَحويٍّ، وهو من المواضع القليلة في كتب غريب القرآن التي وردت فيها شواهد نحوية. وقد استشهد أبو عبيدة على صحةِ قوله هذا بشاهدين من الشعر، أولهما قول عمرو بن معد يكرب:

وكُلُّ أَخٍ مُفارِقُهُ أَخوهُ ... لَعَمْرُ أَبيكَ إِلاّ الفَرْقَدانِ (٦)

والآخر قول الفرزدق:


(١) انظر: تفسير الطري (شاكر) ٣/ ٢٠٤.
(٢) الكشاف ١/ ٣٢٢.
(٣) المحرر الوجيز ١/ ٤٥٢.
(٤) الدر المصون ٢/ ١٧٨.
(٥) انظر: مجاز القرآن ١/ ٦٠.
(٦) انظر: ديوانه ١٧٨.

<<  <   >  >>