للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكنْ أَسْلَمنا فَصِرْنا مِن موانِع الإسلامِ في مثلِ الأَغلالِ المُحيطةِ بالرقابِ، القابضةِ للأَيدي». (١)

٣ - وعند تفسير قوله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢)} [الواقعة: ١٧ - ٢٢] (٢) ذكرَ أَنَّ الفاكهةَ واللحمَ والحُورَ العِيْنَ لا يُطافُ بِها، وإِنَّما يُطافُ بالأكوابِ والأباريقِ. وأَنَّ المراد: يؤتونَ بلحمِ طَيْرٍ وبِفاكهةٍ، ويُزوجونَ بِحُورٍ عِيْنٍ. وأن هذا أسلوب بلاغي عند العرب، وهو إيقاع الفعل على شيئين وهو لأحدهما، ويضمر للآخر فعله المناسب له. ومثل هذه الآيات أيضًا - كما ذكر ابن قتيبة - قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} [يونس: ٧١] (٣) حيث إنَّ معناها: أَجْمِعوا أمرَكم، وادعوا شركاءَكم، وهي كذلك في مصحف عبد الله بن مسعود. (٤) ثم استشهد ابن قتيبة بشواهد من الشعر على هذا الأسلوب البلاغي عند العرب، فذكر قول الشاعر (٥):

تَراهُ كأَنَّ اللهَ يَجْدَعُ أَنْفَهُ ... وعَيْنَيهِ إِنْ مولاهُ ثابَ لَهُ وَفْرُ (٦)

قال ابن قتيبة: «أي: يَجدعُ أَنفَهُ، ويفقأُ عَينَيه». (٧) وهذا الشاهد يستشهد به النحويون (٨) والبلاغيون (٩) على إضمار الفعل بعد حرف العطف، ويذهبون في تقديره مذهب ابن قتيبة. وذكر بعد ذلك ثلاثة شواهد من الشعر تدل على أن هذا الأسلوب شائع عند العرب قبل نزول القرآن.


(١) المصدر السابق ١٤٩.
(٢) الواقعة ١٧ - ٢٢.
(٣) يونس ٧١.
(٤) انظر: تفسير الطبري (هجر) ١٢/ ٢٣١.
(٥) هو خالد بن الطيفان.
(٦) ثاب: أي عاد ورجع، والوفر بالفتح: هو من المال والمتاع الكثير الواسع. انظر: الحيوان ٦/ ٤٠.
(٧) تأويل مشكل القرآن ٢١٣.
(٨) انظر: مجالس ثعلب ٤٦٤، أمالي المرتضى ٤/ ١٦٩.
(٩) انظر: الصناعتين للعسكري ١٨١.

<<  <   >  >>