للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشعري مباشرة، دون ربطٍ بينهما، أو شرح للشاهد بما يوضح المراد من الآية. وهذا يدل على أن الشاهد في نظر المفسر أوضح من الآية، فيُحيل القارئَ إلى الشاهد لوضوحه، دون أن يتدخل بين القارئ وبين فهمه للشاهد الشعري. وأكثر من رأيته يفعل ذلك الزمخشري في الكشاف، فإنه صنف كتابه للمتقدمين الذين شدوا شيئًا من علم اللغة والتفسير والبلاغة يؤهلهم للربط بين الآية القرآنية والشاهد الشعري واستخراج المعنى المراد من خلال ذلك.

وقد كانت هذه الطريقة في الاستشهاد شائعة عند علماء اللغة المتقدمين، فقد ذكر أبو عُمَر الجَرميُّ أن سائلًا جاء إلى يونس بن حبيب النحوي وهو في حلقته في المسجد، فسأله عن معنى (التَّناوش) في قول الله تعالى: {وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٢)} [سبأ: ٥٢] (١) قال: «فقال بيدهِ: التَّناولُ، وأنشدَ:

وهيَ تَنُوشُ الحَوضَ نَوْشًا مِنْ عَلا ... نَوْشًا بهِ تَقطعُ أَجْوازَ الفلا (٢)». (٣)

فقد اكتفى يونس بعد بيانه للمفردة الغريبة في الآية، بذكر شاهدٍ شعري فهمه السائل دون شرح من يونس.

- ومن الأمثلة على ذلك عند الزمخشري قوله: «فإن قلت: لِمَ وَحَّدَ الراجعَ في قوله: {لِيَفْتَدُوا بِهِ} [المائدة: ٣٦] (٤) وقد ذُكِرَ شيئان؟ قلتُ: نَحو قولهِ:

فإِنِّي وقَيَّارٌ بِها لَغَرِيبُ». (٥)

وهو يعني الضمير في {بِهِ}، حيث يعود على قوله: {مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ} وهما اثنان، فكان يقال: «ليفتدوا بهما». غير


(١) سبأ ٥٢.
(٢) هذا البيت من شواهد سيبويه في الكتاب ٣/ ٤٥٣، ولم ينسبه أحد غير ابن بري حيث نسبه لغيلان بن حريث الربعي. انظر: خزانة الأدب ٩/ ٤٣٧.
(٣) أخبار النحويين البصريين ٨٥.
(٤) المائدة ٣٦.
(٥) الكشاف ٢/ ٢٣٠ - ٢٣١.

<<  <   >  >>