للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [الأنفال: ٦٧] (١): «وقرأَ ابنُ جَمَّاز (٢) (الآخِرةِ) بالخفض على تقدير المضاف. ويُنَظَّر ذلكَ لقول الشاعر (٣):

أَكُلَّ امرئٍ تَحسبينَ امرءًا ... ونارٍ تَوَقَّدُ بالليلِ نارا (٤)

على تقدير: وكُلَّ نارٍ». (٥)

وقراءة ابن جَمَّازٍ من القراءات الشاذة، قال ابن جني في توجيهها: «ووجهُ جواز ذلك على عزته وقلة نظيره أنه لما قال: تريدون عرض الدنيا، فجرى ذكر العرض، فصار كأنه أعاده ثانيًا». (٦) أي كأنه قال: والله يريد عرض الآخرة.

وابن عطية يعتمد في توجيه القراءات الشاذة على كتاب «المُحتسب» لأبي الفتح بن جِنِّي، وينقل عنهُ شواهدَ الشِّعْرِ التي يستشهدُ بِها في توجيهه للقراءات. بل إنه ليقدم ابن جني على غيره، فقد قدمه على أبي عمرو الداني في موضع خلاف في توجيه آية، وقال: «وأبو الفتح أثبت». (٧) مما جعل أبو حيان يرد ذلك بقوله: «وهذا الذي قاله من أن أبا الفتح أثبت كلامًا لا يصح، إذ رتبة أبي عمرو الداني في القراءات ومعرفتها وضبط رواياتها واختصاصه بذلك بالمكان الذي لا يدانيه أحد من أئمة القراءات فضلًا عن النحاة، هذا مع الديانة الزائدة، والتثبت في النقل وعدم التجاسر ووفور الحظ من العربية». (٨)

ومن ذلك قول ابن عطية عند بيان القراءات في قوله تعالى: {لَوْ


(١) الأنفال ٦٧، وقراءة الجميع عدا ابن جماز {الْآخِرَةَ} بالنصب. انظر: الدر المصون ٣/ ٤٣٧.
(٢) هو سليمان بن مسلم بن جَمَّاز الزهري المدني، مقرئ جليل ضابط، قرأ على أبي جعفر وشيبة ونافع. مات بعد عام ١٧٠ هـ. انظر: غاية النهاية ١/ ٣١٥.
(٣) هو أبو دؤاد الإيادي.
(٤) انظر: ديوانه ٣٥٣، الأصمعيات ١٩١.
(٥) المحرر الوجيز ٨/ ١١٣، تفسير الطبري (هجر) ١١/ ٢٧١.
(٦) المحتسب ١/ ٢٨٠.
(٧) المحرر الوجيز (قطر) ٥/ ٥٢٧.
(٨) البحر المحيط / الأعراف آية ٥٤.

<<  <   >  >>