للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧)} [التوبة: ٥٧] (١): «وقرأَ أُبَيُّ بنُ كعبٍ: «مُنْدَخَلًا». قال أبو الفتح: هذا كقول الشاعر (٢):

.......................... ... ولا يَدِي في حَميتِ السَّمْنِ تَنْدَخِلُ (٣)». (٤)

فقد أورد ابن عطية استشهاد ابن جني لتوجيه هذه القراءة الشاذة ببيت الكميت بن زيد، مع حكمه على هذه الصيغة بالشذوذ، حيث قال ابن جني تعليقًا على هذه القراءة: «ومُنْفَعِلٌ في هذا شاذٌّ؛ لأن ثلاثيه غير متعدٍّ عندنا». (٥) ونقل عنه في مواضع أخرى متفرقة. (٦)

هذه بعض الأمثلة على استشهاد المفسرين بالشعر في توجيههم للقراءات القرآنية بنوعيها المتواترة وغير المتواترة، واعتمادهم في تخريجهم لتلك الوجوه على الشاهد الشعري اعتمادًا كبيرًا، حتى استوعبت كتبُ التفسير ما صُنِّفَ من كتبِ الاحتجاج للقراءات قبلها مع شواهدها الشعرية، كما صنعَ الطبَريُّ وابنُ عطيةَ والقرطبيُ.

وقد عاب الزجاجُ وغيره الاعتمادَ على شواذ الشواهدِ الشعرية في توجيه القراءات القرآنيةِ، وصرَّح أبو حيان بأَنَّه يَجبُ حَملُ إعرابِ القرآن وقراءاتهِ على الصحيح من شواهد اللغةِ دون شاذها، فقال: «ينبغي أَن يُحملَ - كتابُ الله - على أحسنِ إعرابٍ، وأحسنِ تركيبٍ؛ إذ كلام الله تعالى أفصح الكلام، فلا يَجوزُ فيه جَميعُ ما يُجوِّزهُ النحاة في شعرِ


(١) التوبة ٥٧.
(٢) هو الكميت بن زيد الأسدي.
(٣) عجز بيت، صدره: لا خُطوتي تَتَعاطَى غَيْرَ مَوضِعِها. ورواية الديوان والمُحتَسَب «السَّكْنِ» بدل «السَّمْنِ»، والسَّكْنُ جَمعُ ساكنٍ، كصَحْبِ جَمعُ صاحب. والحَمِيتُ: إِناءٌ للسَّمْنِ لا شَعَر عليه. انظر: ديوانه ٢/ ٣٣٠.
(٤) المحرر الوجيز ٨/ ٢٠٦.
(٥) المحتسَب ١/ ٢٩٦.
(٦) انظر: المحرر الوجيز ٩/ ١٥ - ١٦.

<<  <   >  >>