للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشَّمَّاخِ والطِّرِمَّاحِ وغيرهِما من سلوك التقاديرِ البعيدةِ، والتراكيبِ القلقةِ، والمَجازاتِ المعقَّدةِ». (١) وقال في موضعٍ آخر مؤكدًا على هذا المنهج في إعراب آيات القرآن وتوجيهها: «وقد ركبوا - أي المفسرون والنحويون- وجوهًا من الإعراب في قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: ٢] (٢)، والذي نَختارهُ منها أَنَّ قوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} جُملةٌ مستقلةٌ من مبتدأ وخَبَرٍ؛ لأنه متى أمكنَ حَمْلُ الكلام على غير إضمارٍ ولا افتقارٍ، كان أولى أن يسلك به الإضمار والافتقار. وهكذا عادتُنا في إعراب القرآن، لا نَسلُكُ فيه إِلَّا الحَمْلَ على أحسنِ الوجوه، وأبعدِها من التكلُّفِ، وأسوغِها في لسان العرب، ولسنا كمَن جَعلَ كتاب الله تعالى كشعرِ امرئ القيس، وشعرِ الأعشى، يَحمِلُهُ على جَميعِ ما يَحتملُهُ اللفظُ من وجوهِ الاحتمالات، فكما أَنَّ كلامَ الله من أفصح الكلام، فكذلك ينبغي إعرابهُ على أفصح الوجوه». (٣)

ولذا ينبغي أن يتنبه عند الاستشهاد بالشعرِ في توجيهِ القراءات أو تفسير القرآن إلى أمرين:

الأول: معرفة قيمة هذه الشواهد عند أهل الاختصاص وهم أَهلُ روايةِ الشِّعرِ والشواهد من الأئمة المتقدمين، وعدمُ الركونِ إلى شواهدِ الشعرِ التي لم تُعْرَف إِلَّا عن المتأخرين دونَ نسبتها وعَزوها للأئمة الثقات كأبي عمرو بن العلاء والخليل وسيبويه وأمثالهم.

الثاني: كيفية استشهاد أولئك العلماء بهذه الشواهد، فإِنَّ للقرآن عُرْفًا خاصًا لا يَصحُّ أن يُحملَ على شواهد الشعرِ في أحيان كثيرة، وإِنْ بدا ذلك للناظر المتعجِّل، ولذلك قال ابن القيم: «لا يَجوزُ أَنْ يُحملَ كلامُ الله عزَّ وجلَّ ويُفسَّر بِمُجردِ الاحتمال النحوي الإعرابي الذي يَحتملُه تركيبُ الكلام، ويكون الكلامُ به له معنىً ما، فإنَّ هذا المقام غَلِطَ فيه


(١) البحر المحيط ١/ ١٠٣.
(٢) البقرة ٢.
(٣) البحر المحيط ١/ ٦١.

<<  <   >  >>