للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغيرها من شبهة التجسيم والتشبيه التي يزعمونها لا من شواهد الشعر، ولذلك قال ابن عطية وهو ممن يرى تأويل صفة الاستواء: «واختصار القول في قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: ٥٤] أن يكون استوى بقهره وغلبته، وأما أن يكون استوى بمعنى استولى إن صحت اللفظة في اللسان، فقد قيل في قول الشاعر:

قد استَوَى بِشْرٌ على العِرَاقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيفٍ أَو دَمٍ مُهْرَاقِ

إنَّهُ بيتٌ مصنوعٌ». (١) فابن عطية يرى التأويل، ولو لم يصح هذا الشاهد الشعري.

والحق كما تقدم أن يُحملَ معنى الاستواء على المعاني المعهودة في القرآن والسنة، وهو إثبات علو الله على خلقه، واستواءه على عرشه. وهي المعاني التي نقلت عن السلف في ذلك (٢)، لأنَّ «الاستواءَ عُلوٌّ خاص، فكلُّ مُستوٍ على شيءٍ عالٍ عليهِ، وليسَ كُلُّ عالٍ على شيءٍ مُستويًا عليهِ» (٣)، والاستواء من الألفاظ المختصة بالعَرْشِ لا تضاف إلى غيره لا خصوصًا، ولا عمومًا. (٤) وذلك لاختصاص القرآن بمعانٍ خاصة تعرف عن طريق النقل وأهل العلم.

بل إِنَّ العلماءَ قد ذكروا ما هو أَخَصُّ من ذلك، وهو أنَّ أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - المرفوعة يَجب أن لا تُحمَلَ على مُجرَّدِ ما يُراد باللفظِ في اللغةِ، وإِنَّما ينبغي الرجوعُ في فهمها إلى الفقهاءِ وأهلِ الحديثِ العارفين بِمعاني كلامه كالاختلاف في معنى النهي عن اشتمال الصمَّاءِ بين أهل اللغة وأهل الفقه، حيث ذكر أبو عبيد القاسم بن سلَّام معنى نَهي


(١) المحرر الوجيز ٩/ ٨.
(٢) انظر: درء تعارض العقل والنقل ٢/ ٢١ - ٢٢، مجموع الفتاوى ٥/ ٥٢١، ١٦/ ٣٩٩ - ٤٠٣.
(٣) مجموع الفتاوى ٥/ ٥٢٢ - ٥٢٣.
(٤) المصدر السابق ١٧/ ٣٧٦، ٥/ ١٤٥، التسعينية ٢/ ٥٦٧ - ٥٦٨، درء التعارض ٢/ ١١٥.

<<  <   >  >>