للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وظاهرٌ أَخذهُ لِهذا المعنى والتعبير من القرآن.

- وأما إذا عُدِّي فعل «استوى» بِحرف «في»، كما في قول ذي الرمة يصف ناقته وحالها مع راكبِها:

تُصْغي إذا شَدَّها بالرَّحْلِ جانِحَةً ... حتى إذا ما استوى في غَرزِها تَثِبُ (١)

فهو يُؤدِّي معنى التَّعديةِ بِحَرف «على» أو يقترب منه، بِمعنى الثبات والعلو والاستقرار على ظهر الدابة. وقد انتقد الأصمعي هذا البيت فقال: «كان ينبغي أن يستوي ثُمَّ تَثِبُ ناقتُه». (٢) وهذا الاستعمالُ نادرٌ في الشِّعر المُحتجِّ بهِ فيما وجدتُ، ومنه في شعر المتأخرين قول البُحتريِّ يَصِفُ بِرْذَونًا:

إذا استوَى الراكبُ في ظَهْرِها ... طَامَنَتِ المَتْنَيْنِ كي تُرْدِفا (٣)

فيتحصل من هذا الذي تقدم أَنَّ التعبير بـ «استوى على» من الأساليب التي انفردَ بِها القرآن الكريم للتعبير عن صفة الاستواء على العرش خاصةً، ويُمكنُ عَدُّها مِنْ مُبتكراتِ القُرآن - بحسب تعبير الطاهر بن عاشور في تفسيره. (٤)

ويكون التفسير الأَسلم للمقصود بالاستواء في قول الشاعر:

قد استَوَى بِشْرٌ على العِرَاقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيفٍ أَو دَمٍ مُهْرَاقِ

هو أن «يكون «استوى» بِمعنى استعلى». (٥) لا نفي هذا البيت، وهذا الاستعمال في لغة العرب، فإنه قد تقرر أنه ليس كلُّ ما صحَّ في اللغة صَحَّ حَملُ تفسيرِ القرآن عليه. فالقرآن له عُرفٌ خاص به، يُحمَلُ عليه ويُفسَّرُ به (٦)، والإشكال داخل على من يرى تأويل صفة الاستواء


(١) انظر: ديوانه ١/ ٤٨، الكتاب ٣/ ٦٠.
(٢) شرح الباهلي لديوان ذي الرمة ١/ ٤٨.
(٣) انظر: ديوانه ٣/ ١٣٧١.
(٤) انظر: التحرير والتنوير ٣/ ٢٨٤، ٩/ ٢٥٤، ١٣/ ١٩٦، ١٧/ ٦٢ وغيرها.
(٥) شرح الحماسة ٣/ ١٥٤١.
(٦) مجموع الفتاوى ٥/ ١٤٦ - ١٤٧.

<<  <   >  >>