للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال حنظلة بن أبي عفراء الطائي وهو جاهلي:

يُهِلُّ صَغيرًا ثُمَّ يَعظُمُ ضَوءُهُ ... وَصورَتُهُ حَتّى إِذا ما هُوَ اِستَوى

تَقارَبَ يَخبُو ضَوءُهُ وشُعَاعُهُ ... ويَمصَحُ حتى يَسْتَسِرَّ فلا يُرى (١)

وقال أبو الأسود الدؤلي وهو مخضرم:

إِذا ما استَوى روقاكَ لَم يَهتَضِمهُما ... عَدوٌّ وَلَم يأكُل ضَعيفَكَ آكِلُ (٢)

- وأَمَّا إذا تعدى فعل «استوى» بحرف «إلى» فيكون معناه القصد إلى الشيء، ومن ذلك قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة: ٢٩]، وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [فصلت: ١١] (٣)، ولم أجد لهذا الاستعمال شواهد من شعر العرب المُحتجِّ بِهم.

- وأما إذا تَعَدَّى فعلُ «استوى» بِحَرفِ «على»، فلهُ أَربعةُ مَعانٍ ذَكرَها المفسرونَ من الصحابةِ والتابعينَ وغيرهم، وهي: العُلوُّ، والثباتُ، والاستقرارُ، والصعودُ. وهذا الاستعمال الذي وقع الخلاف فيه، فقد زعم المعتزلة والأشعرية وغيرهم أن استوى في هذه الآيات التي عَدَّي الفعلُ فيها بحرف «على» بِمعنى استولى لا بِمعنى ثَبَتَ وعلا واستقرَّ وارتفعَ، ولم يَجدو حُجةً مقنعةً تؤيد قولهَم - فيما أعلمُ - سوى الشاهد الشعري الذي اختلف في نسبته لشاعر، وهو قوله:

قد استَوَى بِشْرٌ على العِرَاقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيفٍ أَو دَمٍ مُهْرَاقِ

ولم أجده في شعر الشعراء المحتج بهم، ووجدته في شعر المتأخرين، كقول أبي العتاهية:

وَهُوَ الخَفِيُّ الظاهِرُ المَلِكُ الَّذي ... هُوَ لَم يَزَل مَلِكًا عَلى العَرشِ اِستَوى (٤)


(١) انظر: الأغاني ١٠/ ٢٠٠.
(٢) انظر: ديوانه ٣٥٦، حماسة البحتري ٢٤٥.
(٣) فصلت ١١.
(٤) انظر: ديوانه ٢٧.

<<  <   >  >>