للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حُجةً يعولون عليها في نفي هذه الصفة، ويُؤِّولونَ الاستواءَ في الآيات الدالة على صفةِ الاستواءِ بالاستيلاءِ استشهادًا بِهذا الشاهد، حتى لا يكادُ يَخلو منهُ كتابُ تفسيرٍ، ولا عقيدةٍ، ولا بلاغةٍ. (١)

والتحقيق في هذه المسألة هو أن يُقالَ: الاستواء يأَتي في اللغةِ للمعاني التي ذكرها الطبريُّ وهي: التمام والكمال، واستقامةُ ما كان فيهِ أَوَدٌ، والإقبالُ على الشيءِ، والاستيلاءُ والاحتواءُ، والعُلوُّ والارتفاعُ، غير أَنَّ لكلِّ معنى منها سياقًا يناسبه، وتفصيل ذلك على النحو الآتي:

- إذا تعدَّى فعل «استوى» بنفسه كما في قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [القصص: ١٤] (٢) كان بِمعنى بلوغ التمام ولكمال والغاية في القوةِ. (٣) وأكثرُ استعمالِ شُعراءِ الجاهليةِ لِهذا الفعلِ بِهذا المعنى، متعديًا بنفسه، ومن ذلك قول خِرْنِق بنتِ بدرِ بن هَفَّان وهي جاهلية:

عَدَدنا لَهُ خَمسًا وَعِشرينَ حِجَّةً ... فَلَمّا تَوَفّاها اِستَوى سَيِّدًا ضَخما (٤)

وقالت أم عمرو وهي شاعرةٌ جاهليةٌ:

حينَ اِستَوى وَعلا الشبابُ بهِ ... وَبَدا مُنِيْرَ الوَجْهِ كالبَدْرِ (٥)

وقال حاتم الطائي وهو جاهلي:

يَنامُ الضُحى حَتّى إِذا يومُهُ اِستَوى ... تَنَبَّهَ مَثلوجَ الفُؤادِ مُوَرَّما (٦)


(١) زاد المسير ٣/ ٢١٣، تفسير الرازي ١/ ١٤٣، ٢٥/ ١٤٨، الجامع لأحكام القرآن ١/ ٢٥٥، ٧/ ٢٢٠، البحر المحيط ١/ ٢٨٠، بحر العلوم للسمرقندي ١/ ١٠٦، ، تفسير البيضاوي ١/ ٢٧٤، حاشية محي الدين زاده على البيضاوي ١/ ٢٣٥، السراج المنير للشربيني ١/ ٤٣، أضواء البيان ٧/ ٢٩٣، روح المعاني ٣/ ٨٨، ٨/ ١٣٥، ١٦/ ١٥٥، فتح القدير ٢/ ٢١١، مناهل العرفان ٢/ ٢٠٩، لسان العرب ١٤/ ٤١٤ (سوا).
(٢) القصص ١٤.
(٣) انظر: تفسير الطبري (هجر) ١٨/ ١٨١، تفسير السمعاني ٤/ ١٢٧.
(٤) انظر: ديوانها ١٩.
(٥) انظر: زهر الآداب ٢/ ١٢٣.
(٦) مَثْلُوجَ الفُؤادِ: ضَعيفَهُ، ساقطُ النَّفسِ والرأَي، والمُوَّرمُ مِنْ كثرةِ النومِ. انظر: ديوانه ٢٢٦.

<<  <   >  >>