للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَشعارِ العَرَبِ ما يقتضي أنَّ حُكمَ السَّحَرِ يستمرُّ فيما بعدَ الفجرِ، نَحو قولِ امرئ القيس:

يُعَلُّ بهِ بَردُ أَنيابِها ... إذا غَرَّدَ الطائرُ المُسْتَحِرّ (١)

يقال: أَسْحَرَ واستَحَرَ إذا دخلَ في السَّحَرِ، وكذلك قولهم: نَسِيمُ السَّحَرِ يقعُ لِمَا بعد الفجر، وكذلك قول الشاعر (٢):

تَجِدِ النِّساءَ حَواسِرًا يَندبْنَهُ ... قد قُمْنَ قبلَ تَبلُّجِ الأَسحارِ (٣)

فقد قضى أَنَّ السَّحَرَ تبلَّجَ بطلوعِ الفجر، ولكنَّ حقيقةَ السَّحرِ في هذه الأحكام الشرعية من الاستغفارِ المَحمودِ، ومن سُحُورِ الصائم، ومِن يَمينٍ لو وقعتْ، إِنَّما هي من ثُلُثِ الليل الباقي إلى السَّحَرِ». (٤)

فقد استدل ابن عطية بالشواهد الشعرية في تبين معنى السحر في اللغة، غير أنه لم يحمل معنى السحر في الأحكام الشرعيةِ كسحورِ الصائمِ، على هذه الشواهدِ الشعريَّةِ التي تدل على أن السحر يستمر إلى ما بعد طلوع الفجر، وتبلج النور، وإِنَّما يحمل معنى السحر في العبادات على ما عُرِف في الشَّرعِ من كونِها قبل الفجر. (٥)

عند تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)} [البقرة: ٣] (٦)، ذكر القرطبيُّ قولَ خداش بن زُهَيْرٍ العامريِّ:

رَأَيتُ اللهَ أَكْبَرَ كُلِّ شِيءٍ ... مُحاولةً وأَعظمَهُ جُنُودا (٧)

في أثناءِ تقويته لرأيِ جُمهورِ الفُقهاءِ أَنَّهُ لا يُجزئُ في الدخولِ في


(١) انظر: ديوانه ١٥٨.
(٢) هو الربيع بن زياد العبسي، شاعر جاهلي من قيس عيلان.
(٣) انظر: التعازي والمراثي للمبرد ٢٨٠، شرح الحماسة للمرزوقي ٢/ ٩٩١.
(٤) المحرر الوجيز ٣/ ٤٠.
(٥) انظر: الجامع لأحكام القرآن ٤/ ٣٨ - ٣٩.
(٦) البقرة ٣.
(٧) منتهى الطلب للميموني ٨/ ٣٥٩.

<<  <   >  >>