للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحدة، وأنبأها أن الطلاق لا يكون إلا بثلاثة، ولا شيء عليه. وأما من أنشد عزيمةٌ ثلاثًا فقد طلقها وأبانها، لأنه كأنه قال: أنت طالق ثلاثًا. (١) وقد كان مثل هذا الشاهد من الشعر الذي يَمتزجُ فيه الفقهُ بالنحوِ شائعًا في مَجالسِ الفُقهاءِ والنحويين. (٢)

وقد استعان المفسرون بالشاهد الشعري في تفسيرهم لهذه الآيات كغيرها من آيات القرآن الكريم، ولذلك فإن الشاهد الشعري قد ظهر أثره في هذا الجانب الفقهي في كتب التفسير في الآتي:

أولًا: هناك آيات اختلف فيها المفسرون خلافًا فقهيًا ترتب على خلاف نحوي أو لغوي، وباعتبار الراجح من الرأيين يتغير الرأي الفقهي والتفسير تبعًا لذلك، وبالتالي يكون الشاهد الشعري مؤثرًا في مثل هذه المواضع، غير أن أمثلة ذلك في كتب التفسير قليلة منها:

- عند تفسير قوله تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (١٧)} [آل عمران: ١٧] (٣) قال ابن عطية وهو يفسر المقصود بالأسحارِ في الآية: «والسَّحَرُ والسَّحْرُ بفتح الحاء وسكونها آخرُ الليلِ، قال الزجاجُ وغيرهُ: هو قبلَ طلوعِ الفجرِ. (٤) وهذا صحيحٌ؛ لأَنَّ ما بعدَ الفَجرِ هو من اليومِ لا من الليلةِ. وقال بعض اللغويين: السَّحَرُ من ثلثِ الليلِ الآخرِ إلى الفجرِ». ثُمَّ عقَّب ابنُ عطية على هذا بقوله: «والحديثُ في التَنَزُّلِ (٥)، وهذه الآيةِ في الاستغفارِ يؤيدان هذا. وقد يَجيءُ في


(١) انظر: مجالس العلماء للزجاجي ٢٥٩ - ٢٦٠.
(٢) انظر: مغني اللبيب ١/ ٣٣٣، شرح شواهد المغني ٦١، الأشباه والنظائر ٣/ ٤٢، ٤٣، ٤/ ٢٢٠، خزانة الأدب ٢/ ٧٠.
(٣) آل عمران ١٧.
(٤) انظر: معاني القرآن وإعرابه ١/ ٣٨٥.
(٥) يشير إلى قول النبي: «يَنْزِلُ ربُّنا في كلِّ ليلةٍ إلى سَماءِ الدُّنيا، فيقول: مَن يدعوني فأستجيبَ له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ». أخرجه البخاري (١١٤٥)، ومسلم (٧٥٨) وغيرهما. وانظر: شرح الطحاوية للحنفي ٢٦٩، ٦٨١.

<<  <   >  >>