للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم استدل بأدلة تؤيد صحة ما ذهب إليه القائلون بأَنَّ الاثنين جَمعٌ، ومن هذه الأدلة قوله: «وصحَّ قولُ الشاعرِ (١):

ومَهْمَهَيْنِ قَذَفيْنِ مَرْتَيْن ... ظَهراهُما مِثلُ ظُهورِ التُّرسَيْن (٢)

وأنشد الأخفش:

لَمَّا أَتَتْنا المَرأَتَانِ بِالخَبَرْ ... فَقُلْنَ إِنَّ الأَمْرَ فينا قَدْ شُهِرْ (٣)

وقال آخر (٤):

يُحَيَّ بالسَّلامِ غَنِيُّ قَومٍ ... ويُبْخَلُ بالسَّلامِ على الفقيرِ

أليسَ الموتُ بينهما سَواءٌ ... إذا ماتوا وصاروا في القبورِ؟ (٥)». (٦)

والشاهد في هذه الأبيات عودةُ ضميرِ الجمْعِ على المُثَنَّى المتقدم، مِمَّا يَعني اعتبار المثنى جَمعًا، فالشاهد في الأول قوله (ظُهور التُّرْسَيْن) فجمع الظهور، وفي الثاني قوله (فقلن) ولم يقل (فقالتا)، وفي الثالث قوله (ماتوا وصاروا) فالضمير يعود على مثنى، وهذا دليل على أَنَّ الأخوين يَحجُبانِ الأمَّ حجبَ نقصانٍ. وهذا يدل على أثر الشاهد الشعري في مسائل الفقه، وأن المفسرين استشهدوا به في ذلك.

عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: ٦٠] (٧) ذكر القرطبي اختلاف علماء اللغة والفقهاء في الفَرْقِ بين


(١) هو خطام المجاشعي، وهو شاعر إسلامي.
(٢) المَهْمَهُ: القَفْرُ المَخُوفُ، والقَذَفُ - بفتحتين وبضمتين - البَعيدُ من الأرض، ويروى: فَدْفَدين، والفَدْفَدُ: الأرضُ المستوية، والمَرْتُ: الأرض التي لا ماء فيها ولا نبات، والظَّهْرُ: ما ارتفع من الأرضِ، والترس: ما يتقي به الفارس في الحرب. انظر: الكتاب، خزانة الأدب ٢/ ٣١٦، ٧/ ٥٤٤.
(٣) لم أجده.
(٤) هو هاني بن توبة بن سحيم بن مرة الشيباني.
(٥) انظر: جمهرة الأمثال للعسكري ١/ ٢١٨.
(٦) الجامع لأحكام القرآن ٥/ ٧٣.
(٧) التوبة ٦٠.

<<  <   >  >>