للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاستشهاد بالشعر ومراعاتهم للسياق في ذلك، في حين وَقَعَ بعضُ اللغويين الذين صنفوا في تفسير القرآن بسبب قِلَّةِ نصيبهم من المعرفة بتفسير السَّلفِ في أخطاءَ تَعقَّبهم فيها المفسرون، وبَيَّنوا أَنَّه ليسَ كُلُّ ما يصحُّ في لغةِ العَرَبِ يَصِحُّ تفسير القرآن الكريم بهِ، وأَنَّ للقرآنِ الكريمِ عُرفٌ خَاصٌّ يَجبُ أَنْ يُفسَّرَ بهِ، ولا تُحْملُ معانيه على ما تَحتملهُ ألفاظُ اللغةِ من معانٍ. (١)

١ - من الأمثلة كذلك في تفسير الطبري عند تفسير قوله تعالى: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا} [الدخان: ٢٤] (٢)، بعد أَنْ ذَكَرَ الأقوال في المراد بالرَّهْوِ، فقد فَسَّرَهُ بعضُهم فقال: معناه اتركه على هيئته وحاله التي كان عليها، وقيل: معناه اتركه سهلًا، وقيل: معناه اتركه يَبَسًا جَدَدًا. (٣) ثُمَّ قال بعد ذلك تعقيبًا على هذه الأقوال: «وأَولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: معناه اتركهُ على هيئتهِ كما هوَ، على الحالِ التي كان عليها حين سَلَكْتَهُ؛ وذلك أَنَّ الرَّهْوَ في كلامِ العَربِ: السُّكُونُ، كما قال الشاعر (٤):

كأَنَّما أَهْلُ حُجْرٍ يَنظرونَ مَتَى ... يَرَونَنِي خارِجًا طَيْرٌ يَنَادِيدِ (٥)

طَيْرٌ رأَتْ بَازيًا نَضْحُ الدِّماءِ بِهِ ... وأُمَّةٌ خَرَجَتْ رَهْوًا إِلى عِيْدِ (٦)

يعني: على سُكُونٍ». (٧)


(١) انظر: تفسير الطبري (شاكر) ٣/ ٢١٠، ٥/ ٣٣٧، ٦/ ٣٠٩، مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٥٥ - ٣٥٦، ٧/ ٢٨٦، التفسير اللغوي للقرآن الكريم للطيار ٦٣٣.
(٢) الدخان ٢٤.
(٣) انظر: تفسير الطبري (هجر) ٢١/ ٣٥ - ٣٧.
(٤) هو عطارد بن قرأن الحنظلي. انظر: شرح أبيات معاني القرآن لناصر حسين ١١٨.
(٥) طَيْرٌ يَناديدُ وأَنادِيدُ: أَبابيلُ، بمعنى متفرقة. انظر: إصلاح المنطق ١٨١، تهذيب اللغة ١٤/ ٧٢.
(٦) انظر: معاني القرآن للفراء ٣/ ٤١.
(٧) تفسير الطبري (هجر) ٢١/ ٣٧ - ٣٨.

<<  <   >  >>