للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكان الشاهدُ الشعريُّ مُرجِّحًا ومؤكدًا لِلمَعنى اللغويِّ للرَّهْوِ الذي اختاره الطبريُّ في تفسير هذه الآيةِ، وهذا التفسيرُ هو قولُ ابن عباس والحسن وغيرهما. (١)

ورجحه أيضًا ابن عطية، وسلك منهج ابن جرير في الترجيح فاستشهد له بشواهد أخرى من الشعر إضافةً لشاهدِ الطبري فقال بعد سوقه أقوالًا في تفسير الرَّهْوِ: «وقال ابنُ عباس رضي الله عنهما: معناه ساكنًا، أي كما جُزْتَهُ. وهذا القولُ الأخيرُ هو الذي تُؤيدهُ اللغةُ، فإِنَّ العيشَ الرَّاهِي هوَ الذي في خَفضٍ ودَعَةٍ وسُكونٍ، حكاهُ المُبَرِّدُ وغيرهُ (٢)، والرَّهوُ في اللغةِ هو هذا المعنى (٣)، ومنه قولُ عُمَيْر بن شُيَيم القُطامي:

يَمْشِيْنَ رَهْوًا فلا الأَعْجازُ خَاذِلَةٌ ... ولا الصُّدورُ على الأَعجازِ تَتَّكِلُ (٤)

فإِنَّما معناهُ: يَمشينَ اتئادًا وسُكونًا وتَماهلًا». (٥) واستشهد القرطبي لهذا التفسير المُختارِ بشاهدٍ شعريٍّ آخر غير ما ذكره الطبري وابن عطية، وهو قول النابغة الذبياني:

والخَيْلُ تَمْزَعُ رَهْوًا في أَعِنَّتِها ... كالطَّيْرِ تَنْجُو من الشُّؤْبُوبِ ذِي البَرَدِ (٦)

وأَمَّا الزمخشريُّ فقد ذكر للرَّهوِ وجهين من التفسير، ولم يَجزِم بأَحدِهِما، واستشهدَ ببيتِ القُطاميِّ، وَوهمَ فنَسَبَهُ للأعشى (٧).

وهذا المثال الجامع، دليلٌ على أَثَرِ الشاهدِ الشعريِّ في الترجيحِ


(١) انظر: تفسير الطبري (هجر) ٢١/ ٣٧.
(٢) انظر: الكامل ٢/ ٧٣٧، الاشتقاق لابن دريد ٤٠٥.
(٣) انظر: تهذيب اللغة ٦/ ٤٠٣، مقاييس اللغة ٢/ ٤٤٦، لسان العرب ٥/ ٣٥٠ (رها).
(٤) انظر: ديوانه ١٩٥.
(٥) المحرر الوجيز (قطر) ١٣/ ٢٧٢ - ٢٧٣.
(٦) تَمْزَعُ: تُسرِعُ في سيرها، والشُّؤبوبُ: دَفع المطر وشدته. ورواية الديوان «غَربًا» بدل «رهوًا» فلا شاهد فيه على رواية الديوان. انظر: ديوانه ٢٣، الجامع لأحكام القرآن ١٣٧.
(٧) انظر: الكشاف ٥/ ٤٦٩.

<<  <   >  >>