للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صحةِ ما اخترنا». (١)

فكان الشاهد الشعري مؤيدًا ومقويًا لاختياره هذا الوجه من القراءة لقوة معناها، وإن كان قد أورد شواهد شعرية تشهد للقراءات الأخرى التي ذكرها، مما يعني أن الطبري في ترجيحه بين القراءات لا يردُّ شيئًا مما ثبت منها، وبلغه ثبوتها، وإن أوحت عبارته أحيانًا بهذا، وإنما هو ترجيح اختيار وتفضيل لا ترجيحُ رَدٍّ وإِبطالٍ. (٢)

٢ - ومن الأمثلة التي كان الترجيح بين القراءات بِحَسب معانيها، ما ذكره الطبري عند تفسير قوله تعالى: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: ٥٥] (٣) وهو يُبَيّن أوجهَ القراءة في قوله {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ} فذكر قراءةَ الجُمهورِ وأَنَّها بتشديدِ الدَّالِ، وأَنَّ معناها: وليُغَيْرَنَّ حالهَم عمَّا هيَ عليهِ من الخوفِ إلى الأَمْنِ، وأَنَّ العَرَبَ تقولُ: قد بُدِّلَ فُلانٌ إذا غُيّرَت حالُهُ ولَم يأَتِ مكانَ فلانٍ غَيرُه، وكذلك كُلُّ مُغَيّرٍ عن حالهِ، فهو بالتشديد، ورُبَّما قيل بالتخفيفِ، وليس بالفصيح. فأَمَّا إذا جَعَلَ مكانَ الشيءِ المُبدَلِ غيرَهُ، فذلك بالتخفيف: أَبْدَلتهُ فهو مُبْدَلٌ، ثُمَّ قال مبينًا وجه هذا التوجيه: «ومن الدليل على ما قلنا من أَنَّ التخفيفَ إِنَّما هو ما كان في إِبدالِ شيءٍ مَكانَ آخرَ، قولُ أبي النَّجمِ:

عَزْلُ الأَميرِ للأَمِيْرِ المُبدَلِ (٤)».

وهذا استشهاد للترجيح في وجه الاختيار بين القراءات، والقراءاتان متواترتان.

وقد يتنازع الترجيحَ شاهدانِ من الشِّعرِ، فيُحملَ معنى الآيةِ على أَحدِ الشاهدين دون الآخر.


(١) تفسير الطبري (شاكر) ١٣/ ٢٠١ - ٢٠٢.
(٢) انظر: توجيه مشكل القراءات العشرية الفرشية لعبد العزيز الحربي ٤٩٤.
(٣) النور ٥٥.
(٤) انظر: ديوانه ٢٠٤.

<<  <   >  >>