للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أَنباءِ أسلافهم، فاستغنى بعلمِ السامعينَ بذلك، عن ذكر أسلافهم بأَعيانِهم. واستشهد على ذلك بقول الشاعر (١):

إذا مَا انتَسَبْنا لَمْ تَلِدْنِي لَئيمةٌ ... ولَمْ تَجِدِي مِنْ أَن تُقِرِّي بهِ بُدَّا (٢)

فقال: «إذا ما انتسبنا»، و «إذا» تقتضي من الفِعل مُستقبلًا، ثُمَّ قال: «لَم تَلِدْني لَئيمةٌ»، فأَخْبَر عن مَاضٍ من الفعلِ، وذلك أَنَّ الولادة قد مَضَتْ وتَقدَّمَت، وإِنَّما فَعَلَ ذلكَ عند الفراء لأَنَّ السامعَ قد فَهِمَ معناهُ. (٣)

قال الطبري بعد أن حكى قول الفراء: «والأَولُ الذي قُلنا، هُو المُستفيضُ مِنْ كلامِ العَربِ وخِطابِها». (٤) فمع وجود شاهد من الشعر يشهد لما ذهب إليه الفراء في توجيه المعنى وتفسيره، إلا أن استفاضة المعنى الذي ذكره الطبري في شعر العرب وكلامها جعله يرجح قوله ويختاره في تفسير الآية. وقد ذهب مذهب الطبري في توجيه هذه الآية عدد من النحويين. (٥)

وشعر العرب وشواهده، شاهدة أن القرآن الكريم نزل على وفق كلام العرب وأساليبهم، وقد كرر العلماء هذه الحقيقة العلمية، في كتب معاني القرآن والتفسير. (٦)

* * *


(١) هو زائدة بن صعصعة الفقعسي، يخاطب امرأته.
(٢) انظر: مغني اللبيب ١/ ١٥٦، حاشية الأمير على مغني اللبيب ١/ ٢٥، شرح أبيات مغني اللبيب ١/ ١٢٤.
(٣) انظر: معاني القرآن للفراء ١/ ٦١.
(٤) تفسير الطبري (هجر) ٢/ ٥٧.
(٥) انظر: شرح أبيات مغني اللبيب ١/ ١٢٤ - ١٢٦.
(٦) انظر: مجاز القرآن ١/ ٨، تأويل مشكل القرآن ١٢ وما بعدها، تفسير الطبري (شاكر) ١/ ١٢.

<<  <   >  >>