للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وربما كان لكل من القولين شاهد شعري يؤيده، غير أن أحدهما أكثر استفاضة في شعر العرب ولغتها من الآخر، فيرجحه المفسر لذلك، ومن ذلك أن المفسرين اختلفوا في توجيه المعنى في مثل قوله تعالى: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٩١] (١) وقوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٤)} [البقرة: ٦٤]} (٢)، وكيف أَنَّ الخِطابَ جاءَ للمُعاصرينَ للرسولِ - صلى الله عليه وسلم -، في حين إِنَّ المقصودَ بِهم أسلافهم مِمَّن كان في عهد موسى عليه السلام. على قولين:

الأول: قول الطبري، حيث ذهبَ إلى أَنَّ هذا وإِنْ كانَ خِطابًا لِمَنْ كانَ بينَ ظَهراني مُهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِن أهل الكتابِ أيامَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإِنَّما هو خَبَرٌ عن أسلافهم، فأُخرِجَ مَخرجَ الخَبَرِ عنهم. واستشهدَ الطبريُّ بقول الأخطل يهاجي جريرًا:

وَلَقَدْ سَمَا لَكمُ الهُذيلُ فَنَالَكُمْ ... بِإِرَابَ حَيثُ يُقَسِّمُ الأَنفالا

في فَيلقٍ يَدعو الأَرَاقمَ لَمْ تَكُنْ ... فُرسَانُهُ عُزْلًا ولا أَكْفالا (٣)

وقال الطبري: «ولم يلق جرير هذيلًا ولا أدركه، ولا أدرك إراب ولا شهده، ولكنه لما كان يومًا من أيام قوم الأخطل على قوم جرير، أضاف الخطاب إليه وإلى قومه». (٤)

الثاني: قول الفراء، حيث ذهب إلى إِنَّما قيلَ ذلك كذلك، لأن سامعيه كانوا عالمين - وإن كان الخطاب خرج خطابًا للأحياء من بني إسرائيل وأهل الكتاب - أَنَّ المعنى في ذلك إِنَّما هو خَبَرٌ عمَّا قصَّ الله


(١) البقرة ٩١.
(٢) البقرة ٦٤.
(٣) الهذيلُ هو ابن هُبيرة التغلبي، غزا بني رياح في إِراب فسبى نساءهم، وإِرابُ ماءُ بالبادية لبني رياح، الأراقم هم جَماعات من تغلب، وهم جُشَمُ بن بكر، ومالك، وعمرو بن كلثوم، والعُزُل من لا سلاح لهم، والأكفالُ جَمع كفل وهو الجبان. انظر: ديوانه ٢٥١.
(٤) تفسير الطبري (هجر) ١/ ٦٤٣.

<<  <   >  >>