للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: ٢]} (١) أشارَ إلى أسلوب العرب في خِطابِها للشاهدِ خطابَها للغائبِ، فقال: «معناه: هذا القرآنُ، وقد تُخاطبُ العربُ الشاهدَ فَتُظهِرَ لَهُ مُخاطبةَ الغائبِ. قال خُفافُ بن نُدْبَة السُّلَميُّ:

فإِنْ تَكُ خَيْلِي قَدْ أُصِيبَ صَمِيمُها ... فَعَمْدًا على عَيْنٍ تَيمَّمْتُ مالِكا

أَقُولُ لَهُ والرُّمحُ يَأْطُرُ مَتنَهُ ... تَأَمَّلْ خُفافًا إِنَّنِي أَنا ذَلكا (٢)». (٣)

وردَّ الطبريُّ هذا التفسيرَ، ذاهبًا إلى أَنَّه لا يشبهُ أسلوبُ الشاهدِ الشعريِّ أسلوبَ الآية. (٤) قال ابن كثير عند تفسيره لهذا الحرف: «قال ابن عباس: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} هذا الكتاب، وكذا قال مجاهدُ، وعكرمةُ، وسعيدُ بن جُبير، والسُّديُّ، ومُقاتلُ بن حيَّان، وزَيدُ بن أَسلَم، وابنُ جُريجٍ، أَنَّ «ذلك» بِمعنى «هذا»، والعَرَبُ تُقارِضُ بين هذين الاسمين مِن أَسماءِ الإشارة، فيستعملونَ كُلًا منهما مكانَ الآخرِ، وهذا معروفٌ في كلامِهم». (٥) والذي يبدو أن قول أبي عبيدة، وتفسير ابن عباس، وتلاميذه الذي ذكره ابن كثير وغيره، ليس معناه ما ذكره ابن كثير من أَنَّه مِن بابِ تعاقبِ أَسْماءِ الإشارة وتقارضها، دونَ أَن يدلَّ ذلك الاستعمالُ على غَرضٍ بلاغيٍّ، غير أَنَّ تفسيرَ السَّلفِ مُوجَزٌ مُختصرٌ، يَحملُ معاني كثيرة، وهم أعلمُ بالِّلسانِ مِمَّنْ بعدهم.

وإِنَّما قَصَدَ أبو عبيدة ومن قبله تفسير المعنى الظاهر للحرف، وأَن التعبير بذلك هنا بِمعنى هذا، وإِنْ كانَ استعمالُ اسم الإشارةِ الدالِّ على البعيدِ في هذا الموضع لهُ وجهٌ بلاغيٌّ يدلُّ على عُلوِّ مكانةِ هذا الكتاب العظيمِ، وهذا تفسير عامة المفسرين في كتبهم، وهذا راجعٌ إلى الخلافِ بين المفسرين في مرجع الضمير في قوله:


(١) البقرة ٢.
(٢) انظر: ديوانه ١٣، الأغاني ٢/ ٣٢٩، خزانة الأدب ٥/ ٤٣٨ - ٤٤٠.
(٣) مجاز القرآن ١/ ٢٨ - ٢٩.
(٤) انظر: تفسير الطبري (هجر) ١/ ٢٣٠ - ٢٣١.
(٥) تفسير ابن كثير ١/ ٦٠.

<<  <   >  >>