للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«ذلك» (١) والقول بأن «ذلك» هنا على بابِها تُشيرُ إلى البعيد، وإن كان قريبًا للدلالةِ على علوِّ مكانتهِ ومقامهِ هو قول كثير من أهل اللغة والبلاغة والتفسير ومنهم الطبري، من أول ما صرح به المُبَرِّدُ (٢).

والأمثلة التي بدأ أبو عبيدة بها في «مَجاز القرآن» لاستنباط الخصائص التعبيرية للأسلوب العربي، والاستشهاد عليها بشعر العرب، وموازنة ذلك بأسلوب القرآن الكريم، مُحاولةٌ رائدةٌ، رغمَ ما وقع فيها من قُصورٍ لا يسلم منه عملُ الروَّادِ، غَيْرَ أَنَّ الغايةَ من الكتابِ قد تَحقَّقتْ، وحيث إِنَّهُ لم يُسبَق في هذا - والله أعلم - فقد كانت مُحاولتهُ نِبْراسًا لِمَن بعده، وأمثلة ذلك في كتابه كثيرة. (٣)

وقد ذكرَ أَحَدُ الباحثينَ أَنَّ الفكرةَ التي كانت تُراودُ أبا عبيدةَ وهو يؤلِّفُ كتابَه كانت «فكرةً مدرسيَّةً، يُحاولُ أَن يضعَ أمامَ طبقة المستعربين صورًا من التعبير في القرآن، وما يقابله من التعبير في الأدب العربي شِعرًا ونثرًا، وبَيَّنَ ما فيه من التجاوزِ أو الانتقالِ من المعنى القريبِ أو التركيبِ المعهود للألفاظ والعباراتِ إلى معانٍ وتراكيب أخرى اقتضاها الكلام». (٤)

ثُمَّ جاء الفراء (ت ٢٠٧)، وهو معاصر لأبي عبيدة (ت ٢١٠)، وتوفي قبله، غير أَنَّ كتابَ أبي عبيدةَ قديمُ التأليف، وقد اطَّلعَ عليه الفراءُ، وعَرَّضَ بهِ في مواضعَ مِن كتابهِ دون أَن يُسمِّيه (٥)، وبالموازنةِ بين


(١) انظر: معاني القرآن للزجاج ١/ ٦٧، معاني القرآن للنحاس ١/ ٧٨، زاد المسير ١/ ٢٣، المحرر الوجيز ١/ ٩٧، البحر المحيط ١/ ٦١، روح المعاني ١/ ١٠٥، التحرير والتنوير ١/ ٢٢٠.
(٢) انظر: المقتضب ٣/ ٢٧٥، شرح التسهيل لابن مالك ١/ ٢٩٣، الجنى الداني ٢٣٨، المساعد على تسهيل الفوائد ١/ ١/١٩٠، أوضح المسالك لابن هشام ١/ ١٣٦.
(٣) انظر: مجاز القرآن ١/ ٣٢، ٣٩، ١٧٢، ٤٧، ١٠١، ٢٤٧، ٦٥، ١٤٣ وغيرها.
(٤) أثر القرآن في تطور النقد العربي لمحمد زغلول سلام ٤٣ - ٤٤.
(٥) انظر: معاني القرآن ١/ ٨، ووازنه بِما في مجاز القرآن ١/ ٢٥.

<<  <   >  >>