للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكتابَيْنِ تَبيَّن أَنَّ الفراء يستنكفُ أن يستشهدَ بشواهدِ أبي عبيدة الشعرية، ويَلتمسُ مِن شعر العرب غَيْرَها (١)، وإِن استشهدَ بشواهدِ أبي عبيدة فَعَلى وجهٍ غَير وجهِ أَبي عُبيدة (٢)، ورُبَّما ذَكرَ أبو عبيدة رأيًا دونَ شاهدٍ، فيذكره الفراء وياتي له بشاهدِ (٣)، ورُبَّما أَعوَزهُ الشاهد فترك شاهدَ أبي عبيدة وجاء بِمثالٍ من عنده (٤)، ونَحوِ هذه الظواهر التي تدلُّ على اطلاعِ الفراءِ على كتابِ المَجازِ وانتفاعه بهِ، وبشواهدهِ. وهذا دليل على أهمية كتاب أبي عبيدة، وسبقه، وأَنَّ المفسرينَ وأصحاب المعاني والغريب عيالٌ على شَواهدِه الشعريَّة، رغم اعتراضهم على بعض تفسيراته للقرآن أو للشواهد الشعرية، ولا سيما شواهده اللغوية لغريب القرآن، حتى الفراء استشهد بشواهد أبي عبيدة على الغريب (٥).

والفراء كان يرى أَنَّ «كتابَ الله أَعربُ وأَقوى في الحُجَّةِ من الشعرِ» (٦)، ولذلك كان «يُقلِّلُ من الشاهدِ الشعريِّ، ولا يُفسِّرُ به الآياتِ تفسيرًا مباشرًا» (٧) كما صنع أبو عبيدة قبله. وقد أضاف الفراء في دراسته لأساليب القرآن على ما ذكره أبو عبيدة، واستشهد على ذلك بشواهد الشعر، ومِنْ أَهمِّ أمثلةِ ما أضافهُ الفراءُ حديثهُ عن أسلوبِ الإضمارِ إذا اجتمع الكلامُ، ودلَّ أولهُ على آخرهِ، فإنَّ العربَ تُتبعُ آخرَ الكلامِ بأولهِ، وإِنْ لَم يَحسُنْ في آَخرِهِ ما حَسُنَ في أَولِهِ.

وقد ذكر الفراء ذلك عند توجيهه قراءة قوله تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة: ٢٢] (٨)، ووجه رفعِها، مَع كونِها معطوفةً على مَجرورٍ قبلَها فقال:


(١) انظر: معاني القرآن ١/ ٢٣٠، ٢/ ٦.
(٢) انظر: معاني القرآن ١/ ٩٩.
(٣) انظر: معاني القرآن ١/ ١٠٥ - ١٠٦.
(٤) انظر: معاني القرآن ١/ ١٤.
(٥) انظر: معاني القرآن ٢/ ٣٨٥، ٣/ ١١٧.
(٦) معاني القرآن ١/ ١٣.
(٧) أثر القرآن في تطور النقد العربي لمحمد زغلول سلام ٥٢.
(٨) الواقعة ٢٢، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم ويعقوب وشيبة {وَحُورٌ عِيْنٌ} برفعهما، وقرأ عبد الله بن مسعود وأصحابه، والكسائي، وحمزة {وَحُورٍ عِيْنٍ} بجرهما عطفًا على ما قبلها. انظر: السبعة ٦٢٢، التيسير ٢٠٧، النشر ٢/ ٣٨٣.

<<  <   >  >>